کد مطلب:39894 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:487
وجاء عبداللَّه بن الزبیر[2] وأخذ بخطام الجمل وهو ساكت لم یتكلّم (فقالت له عائشة: من أنت یا هذا؟ لم لا تنتسب؟ فقال: أنا ابن اُختك، قالت: عبداللَّه؟! واثكل) أسماء، فجاءه الأشتر (رض) وهو آخذ بالخطام فاقتتلا قتالاً شدیداً فضربه الأشتر (رض) علی رأسه فجرحه جراحة خفیفه ثمّ اعتنق كلّ واحد منهما بصاحبه وسقطا علی الأرض، فقال ابن الزبیر: اقتلونی ومالكاً[3] ، فلم یعرفوا مالكاً مَن هو[4] ، ولو عرفه أصحاب ابن الزبیر لقتلوه. ثمّ إنهما افترقا[5] فجاء الأشتر یقول: لقیت فی ذلك الیوم جماعة من الأبطال فما لقیت منهم ما لقیت من ابن الزبیر ولقیت من عبدالرحمن بن عتاب أشدّ من ذلك، لقیته أشدّ الناس بأساً وأشجعهم قلباً وأثبتهم جأشاً، وما كدت أن أنجو منه وتمنّیت أنی لم أكن لقیته [6] وما رؤی مثل ذلك الیوم وكثرة من اُصیب یوم الجمل ومن قُتل حوله من العسكرین وقُتل علیه خلائق لا یحصون وقُطعت علیه أیدٍ كثیرة حتّی صاح علیّ: اعقروا الجمل [7] إنْ یُعْقَر الجمل تفرّق الناس، فانتدب (له) رجل یقال له بحیر بن دلجة الكلابی [8] فضرب ساقه فسقط إلی الأرض (علی جنبه وله جرجرة عظیمة لم یسمع بمثلها، ولا سمع أشدّ من عجیجه حین سقط إلی الأرض)فانهزم الناس وتفرق أصحاب عائشة، فجاء القعقاع وورقة بن نوفل فقطعا ابطان الجمل وحملا الهودج وأنزلاه إلی الأرض وفیه عائشة وأنّ الهودج لكان كقنفذ[9] لما فیه من السهام، ثمّ أطافا به وفرّ من فرّ وانهزم من انهزم. فأمر علیّ علیه السلام بالنداء فی الناس أن لا یتبعوا مدبراً ولا یجهزوا علی جریح ولا یدخلوا داراً ولا یسلبوا سلاحاً ولا ثیاباً ولا متاعاً[10] وأمر علیّ علیه السلام بأن یحمل الهودج من بین القتلی وأرسل إلی عائشة أخاها محمّد بن أبی بكر[11] وأمره أن یضرب علیها قبّة، وقال: انظر هل وصل إلیها شی ء من سهم أو جرح، فأدخل رأسه فی هودجها فقالت: من أنت؟ قال: أبغض أهلك إلیك، قالت: ابن الخثعمیة؟ قال: نعم، قالت: یا ابن أبی الحمد للَّه الّذی عافاك [12] . فلمّا كان اللیل أدخلها أخوها إلی البصرة وأنزلها فی دار عبداللَّه بن خلف الخزاعی [13] علی صفیة بنت الحارث (بن طلحة) بن أبی طلحة بن العزّی بن عثمان بن عبدالدار وهی اُمّ طلحة الطلحات [14] ، وتسلّل الجرحی لیلاً من بین القتلی فدخلوا البصرة[15] ، وأقام علیّ علیه السلام بظاهر البصرة ثلاثاً[16] وأذن للناس فی دفن قتلاهم، فخرجوا إلیهم فدفنوهم. وطاف علیّ علیه السلام علی [17] القتلی فلمّا أتی كعب بن سور قال: زعمتم أن لا یخرج معهم إلّا السفهاء. وأتی علیّ علیه السلام علی عبدالرحمن بن عتّاب فقال: هذا یعسوب القوم [18] الّذی كانوا یطوفون [19] به واجتمعوا علی الرضا به لصلاتهم [20] وأتی علیّ علیه السلام علی قبر طلحة بن عبیداللَّه فقال: لهفی علیك یا أبا محمّد، إنّا للَّه وإنّا إلیه راجعون، واللَّه لقد كنت أكره أن أری قریشاً صرعی، أنت واللَّه یا أبا محمّد كما قال الشاعر: فتیً كان یدنیه الغنی من صدیقه وأتی علی ابنه محمّد وهو صریع فوقف علیه وقال: هذا رجل قتله برّه بأبیه [23] وصلّی علیّ علیه السلام علی جمیع القتلی من أهل البصرة والكوفة وغیرهم وأمر فدُفنت الأطراف [24] جمیعاً فی قبر عظیم وجمع ما فی العسكرین من سلاح وثیاب وطرح فی المسجد وقال: من عرف شیئاً فلیأخذه إلّا سلاحاً فی الخزائن (كان)علیه سمة السلطان [25] . ولمّا فرغ علیّ علیه السلام من الواقعه أتاه [26] الأحنف بن قیس [27] فی بنی سعد یهنّونه بالنصر، فقال له علیّ علیه السلام: تربّصت یا أحنف؟![28] فقال الأحنف: ما كنت أری إلّا أ نّی قد أحسنت وبأمرك كان ما كان یا أمیر المؤمنین، ارفق فإنّ طریقتك الّتی سلكت بعید وأنت إلی غدٍ أحوج منك إلی أمس، فاعرف إحسانی وأستبق مودّتی لغد، ولا تقل مثل هذا فإنّی لم أزل لك ناصحاً[29] . ودخل علیّ علیه السلام البصرة یوم الاثنین فبایعه أهلها علی رایاتهم حتّی الجرحی والمستأمنة[30] ثمّ راح إلی عائشة وهی فی بیت عبداللَّه بن خلف وهی أعظم دار بالبصرة، فسلّم علیها وجلس إلیها[31] ثمّ إنّ عائشة سألت عن الناس ومن قُتل منهم ممّن كان معها ومع علیّ، فكلّما نعی واحد من الفئتین قالت: یرحمه اللَّه، فقیل لها: كیف ذلك؟! قالت: كذلك قال رسول اللَّه فلان فی الجنة وفلان فی الجنة. وقال علیّ علیه السلام: إنّی لأرجو أن لا یكون أحد قُتل منّا ومنهم وقلبه نقی مخلص للَّه تعالی إلّا أدخله اللَّه الجنة[32] . ثمّ إنّ علیاً علیه السلام جهّز عائشة بكلّ ما ینبغی لها من مركب وزاد (ومتاع)وغیر ذلك وبعث معها كلّ من نجا ممّن كان معها فی الوقعة من أصحابها إلّا من أحبّ[33] المقام [34] ، واختار لها أربعین امرأة من نساء أهل البصرة المخبورات المعروفات سیّرهنّ معها وسیّر معها أخاها محمّد بن أبی بكر[35] . ولمّا كان الیوم الّذی ارتحلت فیه عائشة أتاها علیّ علیه السلام بنفسه فوقف لها وحضر الناس لوداعها فقالت: یابنی لا یعتب [36] بعضنا علی بعض (إنّه)واللَّه لم یكن بینی وبین علیّ فی القدیم إلّا ما یكون بین المرأة وأحمائها[37] وإنّه عندی علی معتبتی [38] لمن الأخیار، فقال علیّ علیه السلام: (أ یّها الناس)صدقت واللَّه ما كان بینی وبینها إلّا ذاك وإنّها لزوجة نبیّكم [39] صلی الله علیه وآله فی الدنیا والآخرة. وخرجت یوم السبت غرة رجب وسار معها علیّ علیه السلام أمیالاً وسرح [40] بنیه معها یوماً كاملاً[41] وكان توجّهها إلی مكة المشرّفة فأقامت بها إلی أیّام الحجّ فحجّت ثمّ رجعت إلی المدینة[42] . وأمّا المنهزمون یوم الجمل فكان منهم: عتبة بن أبی سفیان جرح هو وعبدالرحمن ویحیی ابنا الحَكم، فساروا فی [43] البلاد فلقیهم عصمة بن أبَیر[44] التمیمی فقال: هل لكم فی الجوار؟ فقالوا: نعم، فأجارهم وأنزلهم عنده حتّی برئت جراحاتهم وسیّرهم نحو الشام فی أربعمائة راكب، فلّما وصلوا معهم إلی دومة الجندل قال [45] : ارجعوا فقد وفت ذمّة صاحبكم وقد قضیتم ما علیكم، فرجعوا عنهم. وأمّا ابن عامر فإنّه جرح أیضاً فلقیه رجل من بنی حرقوص فأجاره وسیّره إلی الشام. وأمّا مروان بن الحَكم فاستجار بمالك بن مِسمع فأجاره فحفظ بنو مروان ذلك لمالك فی أیّام خلافتهم وانتفع بهم وشرّفوه وكرّموه. وأمّا عبداللَّه بن الزبیر فإنّه نزل بدار رجل من (ال)أزد وبیده ستّ وثلاثون جراحة، فقال للأزدی: اذهب إلی اُمّ المؤمنین عائشة وأخبرها بمكانی وإیّاك أن یطّلع علی هذا محمّد بن أبی بكر[46] ، (فأتی الأزدی عائشة فأخبرها فقالت: علیَّ بمحمّد بن أبی بكر فقال لها الأزدی: إنّه نهانی من أن یعلم بمكانه، فقالت: لا علیك، فلمّا أتاها محمّد بن أبی بكر) فقالت: اذهب مع هذا الرجل وائتنی بابن اُختك عبداللَّه.فانطلقَ معه حتّی دخلا علیه، فخرج به إلی عائشة وهی بدار عبداللَّه بن خلف الّتی كانت نازلتها فی البصرة[47] . ولمّا فرغ علیّ علیه السلام من بیعة أهل البصرة قسّم ما كان فی بیت المال علی من شهد معه [48] الوقعة فأصاب كلّ رجل [49] منهم خمسمائة دینار[50] وقال لهم: إن أظفركم اللَّه بأهل الشام فلكم مثلها إلی اعطیاتكم [51] . قال القعقاع بن عمرو: ما رأیت شیئاً أشبه (بشی ءٍ) من قتال یوم الجمل بقتال یوم صفّین، ولقد رأیتنا ندافعهم بأسنّة رماحنا ونتكئ علی أزجّتها وهم مثل ذلك حتّی لو أنّ الرجال مشت علیها لاستقلّت بهم [52] . وقال عبداللَّه بن سنان الكاهلی: لمّا كان یوم الجمل ترامینا بالنبل حتّی فنیت، وتطاعنّا بالرماح حتّی انكسرت، وتشبّكت فی صدورنا وصدورهم حتّی لو أنّ الخیل سیرت علیها لسارت. فقال علیّ علیه السلام: السیوف یا أبناء المهاجرین والأنصار، فما شبهت وقع أصواتها فی البیض والجحف إلّا بأصوات القصّارین [53] . وعلم أهل المدینة بوقعة الجمل من یومها من البصرة قبل أن تغرب الشمس، وذلك لمّا كانت تمرّ النسور حول المدینة یری معها من أعضاء القتلی من ید ورجل وعضد وغیر ذلك فیتساقط منها، ووجد كفّ فیه خاتم نقش عبدالرحمن بن عتّاب. وعلم مَن بین مكة والمدینة لمثل ذلك لما یتساقط من النسور علیهم من أعضاء بنی آدم [54] . وذكر نقلة الأخبار وأصحاب التواریخ أنّ عدّة من قُتل من أهل الجمل ستة عشر ألفاً وسبعمائة وتسعون رجلاً، وكانت [55] جملتهم ثلاثین ألفاً، فأتی القتل علی أكثرٍ من نصفهم، وأنّ عدّة من قتل من أصحاب علیّ علیه السلام ألفاً وسبعون رجلاً وكانت عدّتهم عشرین ألفاً، وقیل غیر ذلك، واللَّه أعلم [56] . ولمّا انقضت وقعة الجمل اتفق حرب صفّین [57] المشتمل علی وقایع یضطرب لها فؤاد الجلید، ویشیب لها فؤاد الولید، ویجبن منها قلب البطل الصندید، وذلك أنّ علیاً علیه السلام لمّا عاد من البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة وأرسل إلی جریر بن عبداللَّه البجلی[58] وكان عاملاً علی هَمدان [59] استعمله علیها عثمان [60] ، وأرسل إلی الأشعث بن قیس [61] وكان عاملاً علی آذربیجان من جهة عثمان أیضاً[62] ، فلمّا حضرا أخذ علیهما البیعة وأقرّهما علی عملهما[63] . ثمّ إنّ علیاً علیه السلام خرج بعسكره إلی النُخیلة[64] واستنفر[65] الناس للمسیر إلی معاویة وقتال أهل الشام، فبلغ ذلك معاویة فاستشار عمرو بن العاص [66] فقال له: أمّا إذا سار إلیك علیّ بنفسه فاخرج إلیه بنفسك ولا تغب عنه برأیك ومكیدتك [67] فخرج معاویة وخرج معه عمرو بن العاص فكتبا الكتایب، وعبّیا الجیوش، وعقد معاویة لواءً لعمرو بن العاص، ولواءً لابنیه محمّد وعبداللَّه ولواءً لغلامه وردان، وفی ذلك یقول [68] : هل یغنین [69] وردانُ عَنّی قَنْبَرا إذا الكُماةُ لَبِسوا السنورا[71] . فبلغ ذلك علیاً علیه السلام فقال [72] . لاصبِحنَّ العاص ابن العاصی مُسْتَحقبیْنَ حَلَق الدلاصی مجنِّبین الخیل بالقِلاص آساد غیلٍ حین لا مناص ثمّ إنّ كلّ واحد منهما سار فی لقاء الآخر فتوافوا علی الفرات فدعا علیّ علیه السلام أبا عمرة[75] بشیر بن عمرو بن مِحصَن الأنصاری [76] ، وسعد بن قیس الهمدانی[77] وشبث بن ربعی التمیمی [78] فقال لهم: اذهبوا إلی هذا الرجل- یعنی معاویة- وادعوه إلی اللَّه تعالی وإلی الطاعة والجماعة لعلّ اللَّه تعالی أن یهدیه ویلتئم شمل هذه الاُمّة[79] وكان ذلك فی أوّل یوم من ذی الحجّة سنة ستّ وثلاثین من الهجرة، فأتوه ودخلوا علیه، فابتدأ[80] بشیر بن عمرو الأنصاری فحمد اللَّه وأثنی علیه وقال: یا معاویة، إنّ الدنیا عنك زائلة وإنّك راجع إلی الآخرة، وإنّ اللَّه تعالی محاسبك بعملك[81] ومجازیك بما قدّمت یداك [82] وإنّی اُنشدك اللَّه تعالی أن لا تفرّق جماعة هذه الاُمة وأن لا تسفك دماءها فیما بینها. فقطع معاویة علیه كلامه وقال: هلّا أوصیت [83] بذلك صاحبك، فقال: إنّ صاحبی لیس أحد مثله وهو صاحب السابقة فی الإسلام والفضل والدین والقرابة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله [84] . قال: فما الّذی عندك یا ابن عمرو؟ وما الّذی تأمرنی به؟ قال: الّذی عندی وما آمرك به تقوی اللَّه وإجابة ابن عمّك إلی ما یدعوك إلیه من الحقّ فإنّه أسلم لك فی دنیاك وخیرٌ لك فی عاقبةأمرك، قال معاویة: ونُطل [85] دم عثمان واللَّه لا أفعل ذلك أبداً. ثمّ تكلّم سعد بن قیس وشبث بن ربعی، فلم یلتفت معاویة إلی كلامهم وقال: انصرفوا من عندی فإنّه لیس بینی وبینكم إلّا السیف [86] ، فقال له شبث بن ربعی: أفعلینا تهول [87] بالسیف؟ واُقسم لیعجلِنّ بها إلیك [88] . فأتوا علیاً علیه السلام فأخبروه بالّذی كان [89] ، فجعل علیّ علیه السلام بعد إتیانهم بكلام معاویة یأمر الرجل ذا الشرف من أصحابه أن یخرج فی خیل (فیخرج إلیه جماعة من أصحاب معاویة فی خیل) مثلها فیقتتلان، ثمّ تنصرف كلّ خیل إلی أصحابها وذلك لمّا كرهوه [90] من ملاقاة جمع أهل العراق لجمع أهل الشام فیكون فیه استئصال العسكرین وذهاب الفئتین وهلاك المسلمین [91] فكان علیّ علیه السلام یخرج مرّة، ومرّة الأشتر[92] ، ومرّة حجر بن عدی الكندی [93] ، ومرّة شبث بن ربعی [94] ، ومرّة خالد بن المعمر[95] ، ومرّة زیاد بن النضر الحارث [96] ، ومرّة زیاد بن خصفة التیمی [97] ، ومرّة سعد بن قیس الهمدانی [98] ، ومرّة معقل بن قیس الریاحی [99] ، ومرّة قیس بن سعد الأنصاری [100] رضی اللَّه عنهم [101] وكان الأشتر (رض) أكثرهم خروجاً للقتال [102] . وكان معاویة یخرج إلیهم عبدالرحمن بن خالد بن الولید[103] مرّة، ومرّة أبو الأعور السلمی [104] ، ومرّة حبیب بن مسلمة[105] الفهری [106] ، ومرّة (ابن)ذی الكلاع الحمیری [107] ، ومرّة عبیداللَّه [108] بن عمر (بن الخطّاب [109] )، ومرّة شرحبیل بن السِّمط الكندی [110] ، ومرّة حمزة بن مالك الهمدانی [111] فاقتتلوا أیام ذی الحجّة وربما اقتتلوا فی الیوم الواحد مرّتین [112] . ثمّ دخلت سنة سبع وثلاثین فحصل فی شهر المحرّم منها بین علیّ علیه السلام ومعاویة موادعة علی الحرب طمعاً فی الصلح واختلفت الرسل بینهما فلم یتّفق صلح [113] فلمّا انسلخ المحرم أمر علیّ علیه السلام منادیاً فنادی: یا أهل الشام یقول لكم أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب إنی استدمتكم [114] لتراجعوا الحقّ وتنیبوا إلیه فلم تفعلوا ولم تنتهوا عن طغیان ولم تجیبوا إلی طاعة وإنّی قد نبذت إلیكم سواء واللَّه لا یحبّ الخائنین [115] . ثمّ أصبح علیّ علیه السلام فجعل علی خیل (أهل) الكوفة الأشتر[116] (رض)، وعلی خیل أهل) البصرة سهل بن حنیف [117] ، وعلی رجّالة (أهل)الكوفةعمّار بن یاسر[118] (رض)، وعلی رجّالة (أهل) البصرة قیس بن سعد[119] ، وجعل مسعر بن فدكی علی قرّاء الكوفة[120] وقرّاء أهل البصرة، وأعطی الرایة هاشم بن عتبة المرقال [121] ، وخرج إلی مصافّاتهم [122] . وذلك فی أوّل یوم من صفر[123] . فخرج إلیهم معاویة وقد جعل علی میمنته (ابن)ذا الكلاع الحمیری [124] ، وعلی میسرته حبیب بن مسلمة الفهری [125] ، وعلی مقدمته أبا الأعور السلمی [126] ، وعلی خیل دمشق عمرو بن العاص [127] ، وعلی رجالة دمشق مسلم بن عقبة[128] المرّی [129] ، وعلی بقیة أصحابه الضحّاك بن قیس[130] [131] وبایع رجالٌ رجالاً من أهل الشام علی الموت فعقَّلوا أنفسهم بعمائمهم [132] وكانوا خمس [133] صفوف. فلمّا توافقت الأبطال وتصافّت الخیل للمبارزة والنزال خرج من عسكر معاویة فارس من أهل الشام معروف بشدّة البأس وقوّة المراس یقال له المخراق [134] بن عبد الرحمن [135] فوقف بین الصفّین وسأل المبارزة، فخرج إلیه فارس من أهل العراق یقال له ابن المرادی [136] فتطاعنا بالرماح ثمّ تضاربا بالصفاح وظفر به الشامی فقتله، ثمّ نزل عن فرسه فاحتزّ[137] رأسه وحكّ بوجهه الأرض وتركه مكبوباً علی وجهه، ثمّ ركب فرسه وسأل المبارزة فخرج إلیه فتیً من الأزد یقال له مسلم بن عبد ربّه [138] فقتله الشامی أیضاً وفعل به ما فعل بالأوّل أیضاً. ثمّ ركب فرسه وخرج إلی المبارزة فخرج إلیه علیّ علیه السلام متنكراً فتجاولا ساعة ثمّ ضربه الإمام البطل الهمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام بالسیف جاءت عاتقه رمت بشقّه [139] . إلی الأرض وسقط، ونزل علیّ علیه السلام عن فرسه وحزّ[140] رأس الشامی وجعل وجهه إلی السماء، ثمّ ركب ونادی: هل من مبارز؟ فخرج إلیه فارس من فرسان الشام فقتله علیّ علیه السلام ونزل عن فرسه وحزَّ رأسه وجعل [141] وجهه إلی السماء، ثمّ ركب ونادی: هل من مبارز فخرج إلیه فارس آخر من فرسان الشام فقتله وفعل به كما فعل بصاحبیه الأوّلین، وهكذا إلی أن قتل منهم سبعة، فأحجم الناس عنه ولم یقدم علی مبارزته أحد بعد اُولئك، فجال بین الصفّین جولة ورجع إلی أصحابه ولم یعرفه أهل الشام لأنه كان متنكّراً[142] . ومنها: ما اتفق فی بعض أیّامها وقد تقابل الجیشان، إذ خرج فارس من أبطال عسكر أهل الشام یقال له: كریب بن الصباح [143] فوقف بین الجمعین[144] وسأل المبارزة فخرج إلیه فارس من أهل العراق یقال له المرقع الخولانی [145] فقتله الشامی، ثمّ خرج إلیه الحارث الحكمی[146] فقتله الشامی أیضاً، فنظر الناس إلی مقام فارس صندید فخرج إلیه علیّ علیه السلام بنفسه الكریمة فوقف بإزائه وقال له: من أنت أیّها الفارس فقال: أنا كریب [147] بن صالح الحمیری فقال له علیّ علیه السلام: یا كریب اُحذرك اللَّه فی نفسك وأدعوك إلی كتابه وسنّة نبیه محمّد صلی الله علیه وآله فقال (له)كریب: من أنت؟ فقال أنا علیّ بن أبی طالب، یا كریب اللَّه اللَّه فی نفسك فإنّی أراك بطلاً فارساً فیكون لك مالنا وعلیك ما علینا ولایغررك معاویة، فقال: ادنُ منّی یا علیّ، وجعل یلوح بسیفه فجرّد الإمام سیفه ودنا منه فتجاولا ساعة ثمّ اختلفا بضربتین فسبقه الإمام بالضربة فقتله وسقط إلی الأرض [148] ثمّ نادی: هل من مبارز؟ فخرج إلیه الحارث الحمیری [149] فقتله وسقط علی الأرض، وهكذا لم یزل یخرج إلیه فارس بعد فارس إلی أن قتل منهم أربعة[150] وهو یقول: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَی عَلَیْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَی عَلَیْكُمْ (وَاتَّقُواْ اللَّهَ)وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ )[151] . ثمّ قال [152] علیّ علیه السلام: یا معاویة هلمّ إلی مبارزتی لا تفنی العرب بیننا[153] ، فقال معاویة: لا حاجة لی فی مبارزتك فقد قتلت أربعة من أبطال العرب فحسبك [154] فصاح فارس من أصحاب معاویة یقال له عروة[155] فقال: یا ابن أبی طالب إن كان معاویة قد[156] كره مبارزتك فأنا[157] ، وجرّد سیفه وخرج للإمام فتجاولا ثمّ إنّه سبق الإمام بضربة تلقّاها علیّ علیه السلام فی سیفه، ثمّ إنّ علیاً علیه السلام ضربه ضربةً علی رأسه ألقاه إلی الأرض قتیلاً[158] ، فعظم علی أهل الشام قتل عروة لأنه كان من أعظم شجعانهم ومشاهیر فرسانهم ثمّ حجز اللیل بینهم. ومنها: ما اتّفق أیضاً فی بعض أیّامها وقد تقابل الجیشان إذ خرج علیّ بن أبی طالب علیه السلام متنكّراً فدعا بالمبارزة[159] فقال معاویة لعمرو بن العاص: عزمت علیك إلّا ما خرجت لمبارزة هذا الفارس، فخرج إلیه عمرو وهو لا یعرف أنه علیّ، فلمّا رآه علیّ عرفه فاطّرد[160] بین یدیه لیبعده عن أصحابه [161] ، فتبعه عمرو هو یقول:[162] . یا قادة الكوفة یا أهل الفتن فكرّ علیه علیّ علیه السلام وهو یقول: أبو الحسین فاعلمنّ والحسن فعرفه عمرو فولّی عنه ركضاً وهو یقول: مكره أخاك لا بطل، فلحقه علیّ علیه السلام فطعنه طعنة جاءت فی فضول [163] درعه فألقته إلی الأرض فظنّ أنّ علیاً قاتله فرفع رجلیه [164] فبدت سوأته، فصرف علیّ عنه وجهه راجعاً إلی عسكره وهو یقول: عورة المؤمن حمی، فقام عمرو فركب فرسه وأقبل علی معاویة فجعل معاویة یضحك [165] منه، فقال عمرو: ممّ تضحك؟ واللَّه لو تكن أنت وبدا له من صفحتك ما بدا (له)من صفحتی لصرت كذلك وما أقالك، فقال له معاویة: لو كنت أعلم أ نّك ما تحمل مزاحاً ما مازحتك، فقال عمرو: وما أحملنی للمزاح ولكنّی رأیت أن لقی رجل رجلاً قصد أحدهما علی الآخر انفطر السماء دماً، فقال معاویة: ولكنها سوأة تعقب فضیحة الأبد، أما واللَّه لو عرفته ما قدمت علیه. والی ذلك أشار أبو فراس بقوله: ولا خیر فی دفع [166] الردی بمذلّة ثمّ إن فارساً من فرسان معاویة كان مشهوراً بالشجاعة یقال له بُسر بن أرطاة[167] . حدّثته نفسه بالخروج إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام ومبارزته، وكان له غلام شهم شجاع یقال له لاحق [168] فشاوره فی ذلك فقال: ما اُشیر علیك إلّا أن تكون واثقاً من نفسك [169] إنّك [170] من أقرانه ومن فرسان میدانه فابرز إلیه فإنّه الأسد[171] الخادر والشجاع المطرق، وأنشد العبد یقول [172] : فأنت له یابُسر إن كنتَ مثله متی تلقه فالموت فی رأس رمحه قال: ویحك هل هو إلّا الموت، واللَّه لابدّ لی من مبارزته علی كلّ حال [173] فخرج بُسر بن أرطاة لمبارزة علیّ فلمّا رآه علیّ علیه السلام حمل علیه ودقّه بالرمح، فسقط علی قفاه إلی الأرض فرفع رجلیه [174] فبدت سوأته، فصرف علیّ علیه السلام وجهه فوثب بُسر قائماً وقد سقطت البیضة[175] عن رأسه فعرفه أصحاب علیّ، فصاحوا به: یا أمیر المؤمنین إنّه بُسر بن أرطاة لا یذهب، فقال (رض): دعوه [176] وإن كان فعلیه ما یستحقّ، فركب جواده ورجع إلی معاویة. فجعل معاویة یضحك منه ویقول له: لا علیك ولا تستحی، فقال [177] : نزل بك ما نزل بعمرو فصاح رجل [178] من أهل الكوفة: ویلكم یا أهل الشام أما تستحون من كشف الاستاه، وأنشد بقوله [179] : ألا[180] كلّ یوم فارس بعد فارس[181] . یكفّ حیاً لها[183] علیّ سنانه بدت أمس من عمرو فقنّع [184] رأسه فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا ولا تحمدا إلّا الحیاه [185] وخصاكما فلولاهما لم تنجوا من سنانه متی تلقیا الخیل المشیحة[187] صُبْحَةً وكان بُسر بن أرطاة یضحك من عمرو وصار عمرو یضحك منه [188] ، وتحامی أهل الشام علیاً وخافوه خوفاً شدیداً[189] ولم یقدر[190] واحد منهم مبارزته، وصار علیّ علیه السلام لا یخرج إلی المبارزه إلّا متنكّراً. ثمّ إنّ مولی من موالی عثمان یقال له الأحمر[191] وكان شجاعاً خرج یبغی المبارزة، فخرج له مولی لعلی یقال له كیسان [192] فحمل كلّ منهما علی صاحبه فسبقه الأحمر بالضربة فقتله [193] ، فقال علیّ: قتلنی اللَّه إن لم أقتلك به [194] فكرّ علیّ علی العبد فرجع العبد علیه بالسیف فضربه فتلقّاها علیّ بسیفه فنشب[195] السیف بالسیف، فدنا علیّ منه ومدّ یده إلی عنقه فقبض [196] علیها ورفعه عن فرسه وجلد[197] به الأرض فكسر ظهره وأضلاعه ورجع عنه [198] . وكان لمعاویة عبدٌ یقال له حریث [199] وكان فارساً بطلاً شجاعاً ومعاویة یحذّره من التعرّض لعلیّ بن أبی طالب علیه السلام [200] فخرج علیّ متنكّراً یطلب المبارزة وقد عرفه عمرو بن العاص فقال لحریث: «علیك بهذا الفارس لایفوتنّك اقتله وتشیع به، فخرج له حریث وهو لا یعرف أنه علیّ، فما كان بأسرع من أن ضربه الإمام بالسیف ضربةً علی اُمّ رأسه سقط منها إلی الأرض قتیلاً، وتبین لمعاویة ولأهل الشام أنّ قاتله علیّ بن أبی طالب علیه السلام فشقّ ذلك علی معاویة وقال لعمرو: أنت قتلت عبدی وغررته ولم یقتله أحد غیرك [201] . ومنها: ما اتّفق فی بعض مصافّه [202] أن خرج العباس بن ربیعة الهاشمی [203] من أصحاب علیّ علیه السلام وخرج إلیه فارس مشهور یقال له غرار[204] من أصحاب معاویة فقال: یا عباس هل لك فی المبارزة؟ فقال العباس: هل لك فی المنازلة، فقال: نعم، فرمی كلّ واحد منهما بنفسه عن فرسه وتلاقیا وكفّ أهل الجیشین[205] أعِنَّة خیولهم عنهما لینظرا ما یكون من أمرهما، فتجاولا ساعةً بسیفهما فلم یقدر أحد منهما علی الآخر. ثمّ إنّهما تجاولا ثانیةً فتبیّن للعباس وهن فی درع الشامی، وكان سیف العباس قاطعاً فضربه بالسیف علی وسطه [206] من فوق الدرع فقسمه [207] بنصفین فكبّر الناس وعجبوا لذلك. وعطف العباس علی فرسه فركبها وجال بین الصفّین [208] ، فقال معاویة لأصحابة من خرج منكم إلی العباس [209] فقتله فله عندی دیتان [210] ، فخرج فارسان من لخم[211] وقال كلّ واحد منهما: أنا له، فقال اخرجا (إلیه)فأیّكما (سبق إلی) قتله فله من المال عندی ما قلت[212] وللآخر نصف مثله [213] ، فخرجا جمیعاً ووقفا فی مقرّ المبارزة[214] ثمّ صاحا: یا عباس هل لك فی المبارزة فابرز لأیّنا اخترت، فقال: (حتّی)أستأذن أمیری[215] وأرجع إلیكما فجاء إلی علیّ علیه السلام فاستأذنه فقال علیّ (رض): أنا لهما ادنُ منّی یا عباس وهات لبسك وفرسك وجمیع ما علیك وخذ لبسی وفرسی. ثمّ إنّ علیّاً علیه السلام خرج إلیهما فجال بین الصفّین وكلّ من رأه یظنّه العباس فقال له اللخمیان: استاذنت صاحبك [216] فتحرّج علیّ علیه السلام من الكذب فقال: (أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُالِمُواْ وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ)[217] فتقدّم إلیه أحدهما فاختلفا[218] بضربتین سبقه أمیر المؤمنین بالضربة فجاءت [219] علی بطنه [220] فقطعته بنصفین، فتقدّم إلیه الآخر فما كان بأسرع من طرفة عین من أن ألحقه بصاحبه، وجال بین الصفّین جولة ورجع إلی مكانه، فتبیّن لأهل الشام ومعاویة أنّه علیّ بن أبی طالب علیه السلام ولكنه تنكّر، فقال معاویة: قبّح اللَّه اللجاج، إنّه لقعود ما ركبه أحد قطّ إلّا خذله [221] ، فقال عمرو: المخذول واللَّه اللخمیان لا (أنت )[222] . ومنها: لیلة الهریر[223] الّتی كلما أردی [224] علیّ (رض) فیها قتیلاً أعلن علیه بالتكبیر فاُحصیت [225] تكبیراته فی تلك اللیلة فكانت خمسمائة تكبیرة وثلاثاً وعشرین تكبیرة بخمسمائة وثلاثاً وعشرین قتیلاً[226] ، وكان الناس یتلاطمون فی تلك [227] . اللیلة تلاطم السیول والأمواج ویتصادمون تصادم الفحول عند الهیاج. ولمّا أسفر صبح هذه اللیلة عن ضیاء وحسر اللیل عن ظلماته كانت عدّة القتلی من الفریقین ستّة وثلاثون ألفاً[228] ، وكانت هذه اللیلة لیلة الجمعة.وأصبح أمیر المؤمنین علیه السلام والمعركة كلّها خلف ظهره وهو فی قلب معسكره والأشتر[229] (رض) فی المیمنة وابن عباس (رض) فی المیسرة[230] والناس یقتتلون[231] من كلّ جانب ولوائح النصر لائحة لأمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام والأشتر یزحف فی المیمنة یقاتل بها ویقول لأصحابه: ازحفوا قبل هذا الرمح، ویزحف بهم زحفةً ثانیة ویقول: قید هذا القوس، وكلّما فعلوا[232] ، یزحف نحو أهل الشام ویقول مثل ذلك [233] . ولمّا رأی علیّ بن أبی طالب علیه السلام الظفر من ناحیة الأشتر (رض) أمدّه برجال [234] . ولمّا رأی عمرو بن العاص [235] وهن أهل الشام وخورهم وأنّ أهل العراق استعلوا علیهم وأنّ الحرب قد فضت [236] أصحابه وقد تضاحی علیهم النهار وتخایل منهم [237] الهزیمة والفرار[238] قال لمعاویة: هل لك فی أمر أعرضه علیك لا یزیدنا إلّا اجتماعاً ولا یزیدهم إلّا فرقة؟ قال: نعم [239] : قال: ترفع المصاحف علی رؤوس الرماح ثمّ تقول: ندعوكم لما فیها، وهذا حَكمٌ بیننا وبینكم، فإن أبی بعضهم أن یقبلها وجدتَ فیهم مَن یقول: ینبغی أن نقبل كتاب اللَّه عزّ وجلّ فیكون فرقة بینهم، وان قبلوا لما فیها رفع القتال عنّا إلی أجل [240] . فرفعوا المصاحف علی رؤوس الرماح [241] وقالوا: هذا كتاب اللَّه بیننا وبینكم مَن لثغور أهل الشام؟ ومَن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟[242] فلمّا رآها الناس قالوا: نجیب إلی كتاب اللَّه تعالی [243] ، فقال لهم علیّ بن أبی طالب علیه السلام: عباد اللَّه امضوا إلی [244] حقّكم وصدقكم فی قتال عدوّكم، فإنّ معاویة وعمرو بن أبی معیط وابن أبی سرح والضحّاك أنا اعرف بهم منكم لیسوا بأصحاب قرآن وقد صحبتهم أطفالاً ثمّ رجالاً، ویلكم واللَّه ما رفعوها إلّا مكیدة وخدیعة وقد وهنوا[245] فقال أصحاب علیّ علیه السلام القرّاء منهم: ما یسعنا[246] أن نُدعی إلی كتاب اللَّه عزّ وجلّ فنأبی أن نقبله؟! فقال لهم علیّ علیه السلام: إنّی إنّما اُقاتلهم لیدینوا[247] لحكم الكتاب فإنّهم قد عصوا اللَّه تعالی فیما یأمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه [248] فقال له مسعر[249] بن فدكی التمیمی وزید بن حصین [250] الطائی فی عصابة من القرّاء الّذین صاروا خوارج فیما بعد[251] : یا علیّ [252] . أجب إلی كتاب اللَّه تعالی إذا دعیت إلیه وإلی ما فیه أوّلاً وإلّا دفعناك برمّتك إلی القوم [253] وكان الأشتر (رض) فی المیمنة وعلیّ علیه السلام فی القلب وابن عباس فی المیسرة علی ما سبق ذكره. فكفّ علیّ وابن عباس عن القتال [254] ولم یكفّ الأشتر[255] وذلك لمّا رأی من لوایح النصر والظفر فقالوا: ابعث إلی الأشتر فلیأتك ویكفّ عن القتال فبعث إلیه علیّ یزید بن هانئ یستدعیه [256] ، فقال الأشتر: قل لأمیر المؤمنین: لیست هذه الساعة بالساعة الّتی ینبغی أن یزیلنی بها عن موقفی [257] فإنّی قد وجدت ریح الظفر[258] فأتی علیاً وأخبره بمقالته فردّه إلیه ثانیاً وهو یقول له: اقبل إلیَّ فإنّ الفتنة قد وقعت، فجاءه [259] الأشتر (رض) وقال: ما هذا؟ أ لرفع المصاحف؟ قال: نعم، قال: واللَّه لقد ظننت أنها ستوقع [260] اختلافاً وفرقةً وأنها مشورة ابن العاص [261] . فأقبل الأشتر علی القوم من أصحابه وقال: یا أهل العراق یا أهل الذلّ والوهن، أحین عَلَوتم القوم وعرفوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف یدعونكم إلی ما فیها؟ ویلكم أمهلونی فُوَاقاً فإنّ الفتح قد حصل والنصر قد أقبل، قالوا: لا یكون ذلك أبداً فقال: أمهلونی عدو الفَرس، قالوا: إذن ندخل معك فی خطیئتك، قال: محدِّثونی [262] . عنكم متی كنتم محقِّین؟ أحِینَ تقاتلون وخیاركم یقتلون؟ أم الآن حین أمسكتم [263] عن القتال؟ فقالوا: دعنا منك یا أشتر قاتلناهم للَّه وندعهم للَّه، قال: خدعتم ودعیتم إلی وضع الحرب فأجبتم یا أصحاب الجباه السُّود، كنّا نظنّ أنّ صلاتكم زَهادةٌ فی الدنیا وشوقاً إلی لقاء اللَّه تعالی فلا أری فراركم إلّا إلی الدنیا من الموت [264] یا أشباه النیب [265] الجلّالة ما أنتم برائین بعدها عِزّاً أبداً، فابعدُوا كما بعُدَ القومُ الظالمون. فسبّوه وسبَّهم وضربوا وجه دابّته، فصاح بهم علیّ بن أبی طالب علیه السلام (فكَفُّوا)[266] . وقفه مع رفع المصاحف: أطبق المؤرّخون وأهل السیر علی أنّ الجیش الإسلامی العلوی قد اقترب من الفتح ولاح لهم النصروالظفر وتوجّه الخطر إلی معاویة وأصحابه، وهذا ما بیّنه الإمام علیّ علیه السلام فی خطبته الّتی ذكرها صاحب وقعة صفین: 476 وفیها: أیّها الناس، قد بلغ بكم الأمر وبعدوِّكم ما قد رأیتم، ولم یَبْقَ منهم إلّا آخر نَفْس، وإنَّ الاُمور إذا أقبلت اعتبرَ آخرها بأوّلها، وقد صبر لكم القوم علی غیر دینٍ حتّی بلغْنا، وأنا غادٍ علیهم بالغَداة اُحاكمهم إلی اللَّه عزّوجلّ. ولم یستطع معاویة المقاومة إلّا عن طریق الخدعة والمكر، فاستعان بعمرو بن العاص- كما أشرنا سابقاً- فأمر معاویة أصحابه فی جوف اللیل أن یربطوا المصاحف علی رؤوس الرماح، وأصبح الصباح وإذا بأهل العراق یشاهدون خمسمائة مصحف علی رؤوس الرماح، وأهل الشام ینادون... ویتعطّفون أهل العراق ویطلبون منهم ترك الحرب وقالوا: هذا كتاب اللَّه عزّ وجلّ بیننا وبینكم. وفی هذا قال النجاشی: فأصبح أهل الشام قد رفعوا القَنا ونادوا علیّاً: یابن عمّ محمّد انظر كتاب الخیل لأبی عبیدة: 162 وبعض أبیات هذه القصیدة، ورواها ابن الشجری فی حماسته: 33، وانظرها فی وقعة صفین: 524- 526 وأقبل عدیّ بن حاتم فقال: یا أمیر المؤمنین، إن كان أهلُ الباطل لا یقومون بأهل الحقّ فإنّه لم یُصَب عصبةٌ مِنّا إلّا وقد اُصیب مثلُهَا منهم، وكان مقروح.... وقال الأشتر: یا أمیر المؤمنین، إنّ معاویة لا خَلَف له من رجاله، ولك بحمد اللَّه الخَلف، ولو كان له مثلُ رجالك لم یكن له مثلُ صبرِك ولا بَصَرك، فاقرع الحدید بالحدید، واستعن باللَّه الحمید.... ثمّ قال عمرو بن الحمق: یا أمیر المؤمنین، إنّا واللَّه ما أجبناك ولا نصرناك عصبیةً علی الباطل ولا أجَبْنا إلّا للَّه عزّ وجلّ ولا طلبنا إلّا الحقّ..... لكن الأشعث بن قیس قال: یا أمیر المؤمنین، إنّا لك الیوم علی ما كُنّا علیه أمس، ولیس آخر أمرِنا كأوَّله، وما مِنَ القوم أحدٌ أحْنَی علی أهل العراق ولا أوْتَر لأهل الشام منِّی، فأجِب القوم... فقال علیّ علیه السلام: إنّ هذا أمرٌ یُنتظر فیه... وكان الأشعث وهو المسوَّد من كندة فإنّه لم یرض بالسكوت بل هو من أعظم الناس قولاً فی الركون إلی الموادعة، وأما كبشُ العراق وهو الأشتر فلم یكن یری إلّا الحرب ولكنه بعد كلّ الّذی ذكرناها من أ نّه یرید فواق ناقة أو عدو الفرس فإنه سكَت علی مَضَض، وأمّا سعید بن قیس، فتارةً هكذا وتارة هكذا. أمّا علیّ علیه السلام فقال: إنّه لم یزل أمری معكم علی ما اُحبُّ إلی أن أخذَتْ منكم الحرب، وقد واللَّه أخذَتْ منكم وتَرَكَتْ، وأخذَتْ من عدوّكم فلم تترك، وإنّها فیهم أنْكَی وأنْهَك. ألا إنی كنتُ بالأمسِ أمیر المؤمنین فأصبحتُ الیوم مأموراً، وكنتُ ناهیاً فأصبحت منهیّاً، وقد أحببتم البقاء ولیس لی أن أحملكم علی ما تكرهون.... ثمّ قعد، وتكلّم رؤساء القبائل... من ربیعة كردوس بن هانئ البكری فقال: أیُّها الناس، إنّا واللَّه ما تولّینا معاویة منذ تبرَّأنا منه، ولا تبرَّأنا من علیٍّ منذُ تولّیناه. وإنّ قَتْلانا لَشُهداء، وإنّ أحیاءَنا لأبرار، وإنّ علیّاً لَعلَی بیِّنة من ربه، ما أحدث إلّا الإنصاف، وكلّ محقٍّ مُنْصِف، فمن سلَّم له نجا، ومَنْ خالَفَه هلك.... ثمّ قام شقیق بن ثور البكریّ فقال: أیّها الناس، إنّا دَعونا أهل الشام إلی كتاب اللَّه فردّوه علینا فقاتَلْناهم علیه- إلی ان قال:- وقد أكلتنا هذه الحرب ولا نری البقاء إلّا فی الموادَعة.... ثمّ قام حریث بن جابر البكری فقال: أیّها الناس، إنّ علیّاً لو كان خَلْفاً من هذا الأمر لكان المفْزَع إلیه، فكیف وهو قائدُه وسائقُه، وإنّه واللَّه ما قَبِل من القوم الیوم إلّا ما دعاهُم إلیه أمسِ، ولو ردّه علیهم كنتم له أعْنَت، ولا یُلحد فی هذا الأمر إلّا راجعٌ علی عقبیه أو مستدرَجٌ بغرور، فما بیننا وبین من طَغَی علینا إلّا السیف.... ثمّ قام خالد بن المعمّر فقال: یا أمیر المؤمنین، إنَّا واللَّه ما اخترنا هذا المقام أن یكون أحدٌ هو أولی به منّا، غیر أ نّا جعلناهُ ذُخْراً... فإنّا لا نری البقاء إلّا فیما دعاكَ إلیه القوم.... ثمّ إنّ الحُصین الربعی وهو أصغر القوم سِنّاً قام فقال: أیّها الناس، إنّما بُنی هذا الدین علی التسلیم فلا تُوفِّروه بالقیاس ولا تهدموه بالشفقة- إلی ان قال:- وإنّ لنا داعیاً قد حمِدنا وِردَه وصَدرَه، وهو المصدّق علی ما قال: المأمون علی ما فعل. فإن قال: لا قلنا: لا، وإن قال: نعم، قلنا: نعم... وبلغ معاویة ذلك فبعث إلی مصقلة بن هبیرة فقال: یا مصقلة، ما لقیتُ من أحدٍ مالقیتُ من ربیعة... فبعث مصقلةُ إلی الربعیِّین شعراً.... وقال النجاشی شعراً... وقال خالد بن المعمّر شعراً... وقال الصلتَان شعراً... وقال حریث شعراً... وقال رفاعة بن شداد كلاماً وشعراً.... والسؤال الّذی یطرح نفسه هو: مَن هو المظلوم فی وقعة صفین وما سبقها وما بعدها؟ والجواب یوضحه قول الرسول صلی الله علیه وآله كما ورد فی عیون أخبار الرضا:1 / 236 الباب 27 ح 63 عن الحسین بن علیّ علیه السلام قال: قال: رسول اللَّه صلی الله علیه وآله: یا علیّ، أنت المظلومُ مِن بعدی، فویلٌ لِمَن ظلمك واعتدی علیك، وطُوبی لِمَنْ تبعك ولم یختر علیك. یاعلیّ، أنت المقاتل بعدی، فویلٌ لِمَنْ قاتلك، وطُوبی لمن قاتل معك. لم یحدّثنا التاریخ عن مظلوم غُصب حقّه كالإمام علیّ علیه السلام وهذا ما ورد فی تفسیر الدرّ المنثور للسیوطی: 2 / 298. نعم، لقد صبر علیه السلام وتحمّل كلّ المظالم والمشاقّ لأجل بقاء الإسلام والقرآن والحفاظ علی وحدة الاُمّة من التشتّت والتمزّق. وهاهو یقول: مازلت مظلوماً منذ قبض اللَّه تعالی نبیه إلی یوم الناس. وقال علیه السلام أیضاً: لقد ظُلمتُ عدد المَدر والوَبر. ولسنا بصدد بیان كلّ الأحادیث الواردة بهذا الخصوص بل نحیل القارئ الكریم إلی المصادر التالیة: سفینة البحار:2/108 مادة «ظلم»،الشافی فی الإمامة للسیّد المرتضی: 3/223، و: 4/114، التاریخ الكبیر: 1 / ق 2 / 174 ط حیدر آباد، الخرایج والجرائح للراوندی: 1 / 180 نشر مؤسّسة الإمام المهدی علیه السلام، المستدرك: 3 / 142، البحار: 2 / 21 و 60، و: 28 / 45 و 76، و: 40 / 199، و: 100 / 265، شرح النهج لابن أبی الحدید: 13 / 300، وشرح النهج للفیض: 83 خطبة 26، وشرح النهج للعلاّمة الخوئی: 1/458 و569، و: 3 / 373، العقد الفرید: 4/259، كتاب سُلیم بن قیس: 25 و96 و97، الإمامة والسیاسة: 1 / 13، تفسیر العیّاشی: 2/307، مرآة العقول: 5/321، الكامل فی التاریخ: 2 / 219، تاریخ الطبری: 3/294. أمّا بخصوص معركة صفین فانظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 206 و 209 و 210 وما بعدها ولذا قال الشارح المعتزلی: عن أبی جعفر: ثمّ قام الطفیل بن أدهم حیال علیّ علیه السلام وقام أبو شریح الجذامی حیال المیمنة وقام ورقاء بن المعمّر حیال المیسرة، ثمّ نادوا: یا معشر العرب: اللَّه اللَّه فی النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنیتم.... فاختلف أصحاب علیّ علیه السلام فی الرأی فطائفة تقول القتال واُخری تقول المحاكمة إلی الكتاب.... لكن الأشتر كان یقول: اصبروا فقد حَمی الوطیس... وقد خالف الأشعث فی جیش علیّ علیه السلام حین الظفر والفتح... واستغلّ معاویةالفرصةوقال: اربطوا المصاحف علی أطراف القَنا... والإمام علیّ علیه السلام یُطلع جیشه علی حیلة معاویة وعمرو لكن أصحاب الجباه السود یتقدّمهم مسعر بن فدكی... ومعهم زهاء عشرین ألفاً مُقنّعین بالحدید... وقالوا: ابعث إلی الأشتر لیأتینك... وقد أشرف الأشتر علی عسكر معاویة لیدخله... فأرسل إلیه الإمام علیّ علیه السلام أن یرجع. ثمّ انظر إلی خطبته علیه السلام الّتی یبیّن فیها مظلومیته وتثاقل أصحابه كما وردت فی شرح النهج للفیض: 85 الخطبة 27، و: 107 الخطبة 35، و: 275 الخطبة 96، وانظر وقعة صفین: 480- 494، تاریخ الطبری: 6 / 27، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 186- 188، الإصابة: 8849 فیها تراجم بعض المعترضین، والمعارف: 41- 42، وخزانة الأدب: 3/462 وفیها بعض الأشعار، وكذلك الأصمعیات: 43- 45، والفتوح لابن أعثم: 2/ 186- 188 وما بعدها، الكامل لابن الأثیر: 3 / 316، وتاریخ الطبری: 4 / 35 وما بعدها ط اُخری ، الأخبار الطوال: 189.
وحمل كلّ واحد منهما علی صاحبه فاختلفا بضربتین فوقعت ضربة (كلّ) واحد منهما علی الآخر فقتلته، وأحدقت أهل النجدات والشجاعة بالجمل فكان لا یأخذ أحد بخطام الجمل إلّا قُتل، وكان لا یأخذه إلّا من یُنسب ویقول أنا فلان بن فلان الفلانی، فواللَّه إن كان إلّا الموت الأحمر وما أخذه أحد، ثمّ أفلت منه فعاد إلیه [1] .
إذا ما هو استغنی [21] وأسعده الفقر[22] .
وتُغنِیَ السَكونُ [70] عنّی حِمْیَرا
سبعین [73] ألفاً عاقدی النواصی
قد جنّبوا الخیل مع القلاصِ [74] .
مستحقبین حَلَق الدِلاص
أضربكم ولا أری أبا الحسن
قد جاك یقتاد العنان والرسن
كما ردّها یوماً بسوأته عمرو
وإلّا فإنّ اللیث للضبع آكل
وفی سیفه شغل لنفسك شاغل
له عورة وسط[182] العجاجة بادیة
ویضحك منها فی الخلاء معاویه
وعورة، بُسر مثلها حذو حاذیه
سبیلكما لاتلقیا اللیث ثانیه
هما كانتا واللَّه للنفس واقیه
وتلك بما فیها عن العود كافیه ناهیه [186] .
وفیها علیٌّ فاتركا الخیل ناحیه
علیها كتاب اللَّه خیر قُران
أما تتقی أن یَهلك الثقلان
وعبداللَّه بن الزبیر هذا كان قد نشأ علی كره بنی هاشم حتّی استطاع أن یغیّر رأی أبیه الزبیر علی علیّ علیه السلام وهو ابن خال أبیه. قال علیّ علیه السلام: ما زال الزبیر رجلاً منّا أهل البیت حتّی نشأ ابنه المشؤوم عبداللَّه. (شرح النهج لابن أبی الحدید: 3/260، تهذیب ابن عساكر: 7/363، والاستیعاب: 353 وشرح النهج لابن أبی الحدید: 2/167، و:4/480. وذكر الواقدی، والمسعودی فی مروجه بهامش ابن الأثیر: 5/163، والیعقوبی فی تاریخه: 3 / 7- 8، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 385 و: 4 / 480- 490 أنه مكث أیّام خلافته أربعین جمعة لا یصلّی فیها علی النبی ویقول: لا یمنعنی ذكره إلّا أن تشمخ رجال بآنافها. وفی روایة أ نّه قال: إنّ له اُهیل سوء ینغضون رؤوسهم عند ذكره. وقال المسعودی فی: 5 / 163، وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 358، و: 4/495 ط الحلبی بمصر أنه قال لعبداللَّه بن عبّاس: إنّی لأكتم بغضكم أهل هذا البیت منذ أربعین سنة. وذكر المسعودی أیضاً فی: 5 / 163 والیعقوبی: 3 / 7 وشرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 358 أنه كان یبغض علیّ بن أبی طالب خاصّةً وینال من عرضه. وهو الّذی جمع سبعة عشر رجلاً من بنی هاشم وحصرهم فی شعب بمكّة یعرف بشعب عارم وأراد أن یحرقهم بالنار. (انظر المصادر السابقة، وابن عساكر فی تهذیبه: 7 / 408، والأغانی: 9 / 16 ط دار الكتب). لكن صاحب العقد الفرید ینقل عن ابن الزبیر أنه قال: ثمّ جرّ برجلی- یعنی الأشتر- فألقانی بالخندق، وقال: لولا قربك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما اجتمع فیك عضو إلی آخر. وقیل إن القائل: اقتلونی ومالكاً هو عبدالرحمن بن عتّاب بن أسید، وهذا ما صرّح به مالك عند ما سأله علقمة كما فی روایة الطبری. وفی روایة اُخری للطبری أیضاً: فجرح ابن الزبیر فألقی نفسه فی الجرحی فاستخرج فبرأ. وهذا ثالث الرؤوس یسقط من جیش الجمل. وانظر الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 96 وانظر الهامش رقم 1 و 2 فی نفس الصفحة وقارن بینهما لتجد التحریف والتزویر وانقلاب الأمر وكأن لم یكن اعتراف ابن الزبیر علی نفسه كما ذكرنا قبل قلیل بأنه هو الخائف والمضطرب وعفو مالك الأشتر عنه وإلقاء نفسه مع الجرحی بل العكس كما ذكر ابن قتیبة فی ص 96: فانفلت الأشتر منه أو كما ذكر الاستاذ شری فی الهامش رقم 2: وما زال یضطرب فی یدی عبداللَّه حتّی أفلت. قارن ذلك، وإن عشت أراك الدهر عجباً. لا نرید أن ندافع عن مالك الأشتر رحمه الله بل نقول للطبری وابن قتیبة والاستاذ علیّ شری وغیرهم: ماذا تقولون لابنّ أعثم فی الفتوح: 1 / 485 عندما یذكر أنّ الأشتر عندما سمع كعب بن سور الأزدی یرتجز ویقول أبیاتاً مطلعها: یا معشر الناس علیكم اُمكم ثمّ قال فی الهامش 3 من نفس الصفحة: فحمل علیه الأشتر فقتله، وخرج من بعده غلام من الأزد یقال له وائل بن كثیر فجعل یتلو ویقول شعراً، فبرز إلیه الأشتر مجیباً له وهو یقول شعراً، ثمّ حمل علیه الأشتر فقتله، وخرج من بعده عمرو بن خنفر من أصحاب الجمل وهو یقول شعراً، ثمّ حمل علیه الأشتر فقتله، وخرج من بعده عبدالرحمن بن عتاب بن أسید بن أبی العاص بن اُمیة فجعل یلعب بسیفه بین یدی عائشة، وهو یقول شعراً. قال: فبدر إلیه الأشتر مجیباً له، ثمّ حمل علیه فضربه ضربة رمی بیمینه فسقط لما به، وثناه الأشتر بضربة اُخری فقتله، ثمّ جال فی میدان الحرب وهو یقول شعراً، ثمّ رجع الأشتر إلی موقفه. وذكر ابن أعثم فی الفتوح أیضاً فی: 1 / 488: وجعل الأشتر یجول فی میدان الحرب وینادی بأعلی صوته: یا أنصار الجمل من یبارزنی منكم؟ قال: فبرز إلیه عبداللَّه بن الزبیر وهو یقول: إلی أین یا عدوّ اللَّه؟ فأنا اُبارزك! قال: فحمل علیه الأشتر فطعنه طعنة صرعه عن فرسه، ثمّ بادر وقعد علی صدره قال: فجعل عبداللَّه بن الزبیر ینادی من تحت الأشتر فی یومه ذلك: اقتلونی ومالكاً. قال: وكان الأشتر فی یومه صائماً وقد طوی من قبل ذلك بیومین فأدركه الضعف، فأفلت عبداللَّه من یده وهو یظنّ أنه غیر ناجٍ منه. فكیف یوجّه كلام هؤلاء الّذین طعنوا فی الأشتر وهم یعرفونه كیف یقف بین الجمعین وهو یزأر كالأسد عند فریسته- كما ذكر ذلك ابن أعثم فی الفتوح أیضاً: 1 / 482-. وروی المدائنی والواقدی بروایة ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 1 / 84 عن ضبّة والأزد أ نّهم كانوا حول الجمل یحامون عنه ولقد كانت الرؤوس تُنْدَرُ عن الكاهل، والأیدی تطیح من المعاصم، وأقتاب البطن تندلق من الأجواف، وهم حول الجمل كالجراد الثابتة، لا تتحلحل ولا تتزلزل، حتّی لقد صرخ علیٌّ بأعلی صوته: ویلكم اعقروا الجمل فإنّه شیطان: ثمّ قال: اعقروه إلّا فنیت العرب، لا یزال السیف قائماً وراكعاً حتّی یهوی هذا البعیر إلی الأرض. وفی روایة لأبی مخنف فی شرح النهج: لمّا رأی علیّ أنّ الموت عند الجمل وأ نّه ما دام قائماً فالحرب لاتُطفأ وضع سیفه علی عاتقه وعطف نحوه، وأمر أصحابه بذلك ومشی نحو الخطام مع بنی ضبَّة، فاقتتلوا قتالاً شدیداً، واستحرّ القتل فی بنی ضبَّة، فقتل منهم مقتلة عظیمة، وخلص علیٌّ فی جماعة من النخغ وهمدان إلی الجمل، وقال لرجل من النخغ اسمه بجیر: دونك الجمل یا بجیر، فضرب عجز الجمل بسیفه فوقع لجنبه، وضرب بجرانه الارض وعجّ عجیجاً لم یسمع بأشدّ منه، فما هو إلّا أن صرع الجمل حتّی فرّت الرجال كما یطیر الجراد فی الریح الشدیدة الهیوب، فنادی علیّ: اقطعوا أتساع الهودج، واحتملت عائشة بهودجها، وأمر بالجمل أن یحرق ثمّ یذری فی الریح وقال: لعنه اللَّه من دابّة، فما أشبهه بعجل بنی إسرائیل، ثمّ قرأ: (وَ انظُرْ إِلَی إِلَهِكَ الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِی الْیَمِ ّ نَسْفًا) طه: 97. انظر أیضاً ابن الأثیر: 3 / 102، أنساب الأشراف: 1 / 167، وفتح الباری بشرح صحیح البخاری، لتجد بالاضافة إلی ذلك حوار عمّار بن یاسر لعائشة. وروی ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 491 ما جری بین عبداللَّه بن عباس وبین عائشة لمّا أنفذه إلیها برسالته علیّ بن أبی طالب علیه السلام وبكاء عائشة بكاءً شدیداً ثمّ قالت: نعم واللَّه أرحل عنكم، فما خلق اللَّه بلداً هو أبغض إلیَّ من بلد أنتم به یابنی هاشم- إلی ان قالت:- یا ابن عباس أتمنون علیَّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله؟ قال: نعم... (انظر المحاورة فی العقد الفرید: 4 / 328 ط لجنة التألیف، وأوردها ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 2 / 82 ط المصریة، والیعقوبی فی: 2 / 213، وفی مروج الذهب: 5 / 197). ولصفیة هذه قصة طریفة ذكرها كثیر من أهل السِیر والتاریخ كأبن أعثم فی الفتوح: 1/492، والطبری فی تاریخه: 5 / 222، و: 3 / 543 ط اُخری، ومروج الذهب: 2 / 14 وخلاصتها: دعا علیّ ببغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فاستوی علیها، وأقبل إلی منزل عائشة، ثمّ استأذن ودخل، فإذا عائشة جالسة حولها نسوة من نساء أهل البصرة وهی تبكی وهنّ یبكین معها. قال: ونظرت صفیة بنت الحارث الثقفیة امرأة عبداللَّه بن خلف فصاحت هی ومن كان معها هناك من النسوة وقلن بأجمعهنّ: یا قاتل الأحبّة، یا مفرِّقاً بین الجمیع، أیتم اللَّه منك بنیك كما ایتمت ولد عبداللَّه بن خلف. فنظر إلیها علیّ علیه السلام فعرفها فقال: أمّا أنّی لا ألومك أن تبغضینی وقد قتلت جدّك یوم بدر وقتلت عمك یوم اُحد، وقتلت زوجك الآن، ولو كنت قاتل الأحبه كما تقولین، لقتلت مَن فی هذا البیت ومَن فی هذه الدار. وكان علیه السلام یقصد أنّ الّذی اختفی فی هذه الدار مروان بن الحكم وعبداللَّه بن الزبیر وعبداللَّه بن عامر وغیرهم كثیر. هذه قُریشٌ: جَدَعْتُ أنْفی وشَفَیْتُ نَفْسی، لقد تقدّمتُ إلیكم اُحذّركم عضَّ السُیوف، وكنتم أَحداثاً لا عِلمَ لكم بما تروَن، ولكنّه الحَیْنُ- الهلاك- وسوء المصرع، فأعوذُ باللَّه من سُوءِ المَصرع.... ثمّ مرَّ علی مَعْبَدَ بن المقداد فقال: رحم اللَّهُ أبا هذا، أما إنّه لو كانَ حیّاً لكان رأیُهُ أحسَنَ من رأی هذا... قال: ومَرَّ بعبداللَّه بن ربیعة بن درّاج وهو فی القتلی فقال: هذا البائس ما كان أَخرجَهُ؟ أَدینٌ أخرجَهُ أمْ نصرٌ لعثمان؟ واللَّهِ ما كان رأیُ عُثمان فیه ولا فی أبیه بحَسنٍ... ثمّ مرَّ بمعبد بن زهیر بن أبی اُمیة فقال: لو كانت الفتنةُ برأس الثریّا لتناولها هذا الغُلام... ثمّ مرَّ بمسلم بن قرظة فقال: البرُّ أخرجَ هذا... ثمّ مرَّ بعبداللَّه بن حمید بن زهیر فقال: هذا أیضاً ممّن أوضَعَ فی قِتالِنا، زعم یَطلُبُ اللَّه بذلك... ومرَّ بعبداللَّه بن حكیم بن حزام فقال: هذا خالَف أباه فی الخروج.... ثمّ مرَّ بعبداللَّه بن المُغیرة بن الأخنس فقال: أمّا هذا فقُتِلَ أبوه یوم قُتِلَ عثمان فی الدار، فَخَرجَ مُغْضباً لمقْتَلِ أبیهِ، وهو غُلامٌ حَدَثٌ حُیِّنُ لقتلِه... ثمّ مرَّ بعبداللَّه بن أبی عُثمان بن الأخنس بن شریقٍ فقال: أمّا هذا فإنّی أنظر إلیه وقد أخذ القومَ السیوفُ هارباً یعدو من الصفِّ فَنهْنَهْتُ عنه فلم یَسمعْ مَن نَهْنَهْتُ حتّی قَتَلهُ... ثمّ مشی قلیلاً فمرَّ بكَعْب بن سُور فقال: هذا الّذی خَرجَ علینا فی عُنُقِه المصحَفُ یَزعُمُ أ نّه ناصِرُ اُمِّهِ- یعنی عائشة- یدعو الناس إلی ما فیه- یعنی القرآن الكریم- وهو لا یَعلَمُ ما فیه ثمّ استفتح وخابَ كلُّ جبّار عَنیدٍ. أمَا إنّه دعا اللَّه أن یقتُلنی فقتلُه اللَّه، أَجلِسُوا كَعْبَ بنَ سُورٍ، فاُجلِسَ فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: یا كعبُ قد وَجدْتُ ما وَعَدنی ربِّی حَقّاً، فَهلْ وجَدْتَ ما وَعَدكَ ربُّكَ حَقّاً؟ ثمّ قال: أضجِعوا كعباً. وورد فی المروج للمسعودی: فمرّ به علیّ علیه السلام بعد الوقعة فی موضعه فی قنطرة قرّة، فوقف علیه، فقال: إنّا للَّه وإنّا إلیه راجعون، واللَّه لقد كنت كارهاً لهذا أنتَ واللَّه كما قال القائل: فتیً كان یُدنیه الغنی من صدیقه كأنّ الثُریّا عُلّقت فی یمینه وهو علیه السلام یمسح عن جبینه الغُبار ویقول: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا) الأحزاب: 38. انظر ترجمته فی الاستیعاب: 1 / 56 الترجمة رقم 160، اُسد الغابة: 1 / 55، وفیات الأعیان: 1 / 186- 192 الترجمة رقم 282، المعارف لابن قتیبة تحقیق ثروة عكاشة: 423. ومن الجدیر ذكره أنّ الإمام علیّ علیه السلام بعث إلی الأحنف بن قیس عندما وصل جند المرأة إلی حفر أبی موسی الأشعری- وهو میاه عذبة علی جادة البصرة إلی مكة حفره أبو موسی الأشعری. بینه وبین البصرة خمس لیال كما ذكر صاحب معجم البلدان- فقال له: إنّ هؤلاء القوم قدموا علینا ومعهم زوجة رسول اللَّه، والناس إلیها سراع كما تری . فقال الأحنف: إنّهم جاؤوك للطلب بدم عثمان، وهم الّذین ألّبوا علی عثمان الناس وسفكوا دمه، أراهم واللَّه لا یزایلونا حتّی یلقوا العداوة بیننا، ویسفكوا دماءنا، وأظنّهم واللَّه سیركبون منك خاصّة مالا قبل لك به إن لم تتأهّب لهم بالنهوض إلیهم فی مَن معك من أهل البصرة، فإنّك الیوم الوالی علیهم، وأنت فیهم مطاع، فسر إلیهم بالناس وبادرهم قبل أن یكونوا معك فی دار واحدة، فیكون الناس لهم أطوع منهم لك. وقال ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 460: إنّهم- طلحة والزبیر وعائشة- بعثوا إلی الأحنف بن قیس فدعوه وقالوا: إننا نرید منك أن تنصرنا علی دم عثمان بن عفان، فإنّه قُتل مظلوماً، قال: فالتفت الأحنف إلی عائشة وقال: یا اُمّ المؤمنین! اُنشدك اللَّه أما قلتِ لی ذلك الیوم إن قتل عثمان فمن اُبایع؟ قلت: علیّ بن أبی طالب؟ فقالت عائشة: قد كان ذلك یا أحنف، ولكن هاهنا اُمور نحن بها أعلم منك، فقال الأحنف: لا واللَّه لا اُقاتل علیّ بن أبی طالب أبداً، وهو أخو رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وابن عمّه وزوج أبنته وأبو سبطیه وقد بایعه المهاجرون والأنصار. قال: ثمّ وثب الأحنف حتّی صار إلی دیار قومه من بنی تمیم، ثمّ نادی فیهم فاجتمع إلیه أربعة الآف رجل، فسار بهم حتّی نزل بهم علی فرسخین من البصرة. وروی البیهقی فی المحاسن والمساوی: 1 / 35 عن الحسن البصری أنّ الأحنف بن قیس قال لعائشة یوم الجمل: یا اُمّ المؤمنین هل عهد إلیك رسول اللَّه هذا المسیر؟ قالت: اللّهمّ لا، قال: فهل وجدته فی شی ء من كتاب اللَّه جلّ ذكره؟ قالت: ما نقرأ إلّا ما تقرأون قال: فهل رأیت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله استعان بشی ء من نسائه إذا كان فی قلّة والمشركون فی كثرة؟ قالت: اللّهمّ لا، قال الأحنف: فاذاً ما هو ذنبنا؟ وفی روایة اُخری انّه قال لها: یا اُمّ المؤمنین انّی سائلك ومغلظ لك فی المسألة فلا تجدی علیَّ، فقالت له: قل تسمع. قال: أعندك عهد من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فی خروجك هذا؟ فقالت: لا... أعندك عهد منه صلی الله علیه وآله انّك معصومة من الخطأ؟ قالت: لا... إلی أن أحرجها فقالت: إلی اللَّه أشكو عقوق أبنائی. (انظر الغدیر: 8 / 99 وشرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 500 قریب منه). وهنالك موقف آخر للأحنف بن قیس یذكره ابن أعثم فی الفتوح: 1/465، قال: وأقبل الأحنف بن قیس فی جماعة من قومه إلی علیّ علیه السلام فقال: یا أمیر المؤمنین! إنّ أهل البصرة یقولون بأنك إن ظفرت بهم غداً قتلت رجالهم وسبیت ذرّیتهم ونساءهم، فقال له علیّ: لیس مثلی من یخاف هذا منه، لأنّ هذا ما لا یحلّ إلّا ممّن تولّی وكفر، وأهل البصرة قوم مسلمون، وستری كیف یكون أمری وأمرهم، ولكن هل أنت معی فاعلم، فقال الأحنف: یا أمیر المؤمنین! اختر منی واحدة من اثنین، إمّا أن أكون معك مع مائتی رجل من قومی، وإمّا أن أردّ معك أربعة الآف سیف، فقال علیّ علیه السلام لابل ردّهم عنّی، فقال الأحنف: أفعل ذلك یا أمیر المؤمنین، ثمّ انصرف. (وانظر تاریخ الطبری: 3 / 510- 513 مع اختلاف یسیر فی اللفظ). وموقف الأحنف هذا یذكّرنا بموقف ومواقف اُخری لكن نذكر منها موقف لاهیان بن صیفی: روی أنّ الإمام علیّ علیه السلام ذهب إلی لاهیان بن صیفی، وكان له صحبة. فقام الإمام علی باب حجرته وقال له: كیف أنت یا أبا مسلم؟ قال: بخیر، فقال الإمام: ألا تخرج معی إلی هؤلاء القوم فتعیننی؟ قال: إن خلیلی علیه الصلاة والسلام وابن عمّك. عهد إلیَّ إذا كانت فتنة بین المسلمین أن اتخذ سیفاً من خشب، فهذا سیفی فإن شئت خرجت به معك، فقال الإمام: لا حاجة لنا فیك ولا فی سیفك. ورجع من باب الحجرة ولم یدخل. (رواه أحمد والترمذی وحسّنه ابن ماجة ونعیم بن حمّاد، وأورده ابن حجر فی الإصابة، وابن كثیر فی البدایة، والفتح الربّانی: 23 / 138، وجامع الترمذی: 4 / 490). لم یكن الإمام علیّ علیه السلام بحاجة إلی هؤلاء ولكنه علیه السلام قام بهذا العمل من باب ان المقام مقام حجة والاختیار مفتوح دون أن یوجّه أیّ اتهام لأحد. ولكن السؤال الّذی یطرح نفسه هو: ما السبب الّذی دعا هؤلاء إلی الاعتزال؟ هل هی فتوی أبو بكرة (نُفَیع بن الحارث) كما تطرّقنا إلیها سابقاً وأشرنا إلی مصادرها؟ أم هنالك شی ء آخر؟ أم انّه عهد معهود مِن قِبل اللَّه تعالی ورسوله صلی الله علیه وآله بأنّ الإمام علیه السلام یقاتل الناكثین والمارقین والقاسطین؟ أم انّها الفتنة الّتی تكلّم عنها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والإمام علیّ علیه السلام؟ حیث ینقل ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 1 / 667، و: 3 / 277، وكنز العمّال: 16 / 183، و: 11 / 606، والبیان والتبیین للجاحظ: 2 / 112، وتاریخ الیعقوبی: 2 / 152، وصحیح مسلم: 18 / 11، وصحیح البخاری: 4 / 122، وفتح الباری: 13 / 56، والجامع: 4 / 528، والمستدرك: 3 / 119، والكامل فی التاریخ: 3 / 122 و231، والطبری فی تاریخه: 5 / 198، وغیرهم كثیر من الأحادیث فی هذا المقام، ولكننا نكتفی بذكر حدیث واحد. روی عن علیّ علیه السلام أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال له: إنّ اللَّه قد كتب علیك جهاد المفتونین كما كتب علیَّ جهاد المشركین، فقال علیّ: یا رسول اللَّه، ما هذه الفتنة الّتی كتب علیَّ فیها الجهاد؟ قال: قوم یشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وأنی رسول اللَّه، وهم مخالفون للسنّة، فقلت: یا رسول اللَّه فعلام اُقاتلهم وهم یشهدون كما أشهد؟ قال: علی الإحداث فی الدین ومخالفة الأمر، فقلت: یا رسول اللَّه، إنك كنت وعدتنی الشهادة فاسأل اللَّه أن یجعلها لی بین یدیك، قال: فمن یقاتل الناكثین والقاسطین والمارقین... (رواه وكیع فی كنز العمّال: 16 / 183، وابن أبی الحدید فی شرح النهج: 3 / 377، المناقب للخوارزمی: 125، تاریخ ابن عساكر: 3 / 200 ط بیروت، سیر أعلام النبلاء للذهبی: 3 / 231. ومن هذا وذاك جاءت فكرة الاعتزال الّتی بشّر بها أبو بكرة عندما قال: یا أحنف ارجع فإنی سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله یقول: إذا تواجه المسلمون بسیفیهما فالقاتل والمقتول فی النار... ولذا نری الاُستاذ سعید حوی یعقّب علی هذا الحدیث فی كتابه الأساس فی السنّة: 4 / 1711 فیقول: إنّ القتال مع علیّ بن أبی طالب كان حقاً وصواباً، ولكن أبو بكرة حمل حدیثاً ورد فی غیر الحالة الّتی قاتل فیها علیّ، علی حالة قتال علیّ للباغین. وهو فهم من أبی بكرة. ولكنه فهم فی غیر محلّة... كذلك ألتبس العنوان علی الحارث بن حوط اللیثی عندما دخل علی أمیر المؤمنین. فقال: یا أمیر المؤمنین ما أری طلحة والزبیر وعائشة. أضحوا إلّا علی الحق. ولكن الإمام علیه السلام أجاب بقوله: یا حارث إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، إنّ الحقّ والباطل لا یُعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقّ باتباع من اتبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه. (انظر تاریخ الیعقوبی: 2 / 152، والبیان والتبیین: 2 / 112). وعلّق الغزالی فی كتابه المنقذ من الضلال علی هذا القول فقال: العاقل من یقتدی بسید العقلاء علی كرّم اللَّه وجهه حیث قال: لا یُعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وذكر ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 499 قال: وأقبل إلیه سلیمان بن صرد الخزاعی مسلّماً، فقال له علیّ علیه السلام: یا سلیمان، إنك ارتبت وتربصت وراوغت، وقد كنت من أوثق الناس فی نفسی، فما الّذی أقعدك عن نصرتی؟ فقال: یا أمیر المؤمنین، لا تردّ الامور علی أعقابها، ولا توبّخنی بما قد مضی، واستبق مودّتی یخلص لك نصیحتی، فقد تعذّرت اُموراً تعرف فیها عدوّك من ولیّك، قال: فسكت عنه علیّ- إلی أن قال:- ثمّ جعل یدخل إلیه رجل بعد رجل ممن كان قد تخلّف عنه یوم الجمل، فإذا سلّم علیه یقول له علیّ علیه السلام: وعلیك السلام وإن كنت من المتربّصین... وهذا القول یشمل الأحنف بن قیس وكذلك یشمل سلیمان بن صرد الخزاعی. وعن زیاد الضبی قال: سمعت الأحنف بن قیس یقول: بعث علیّ علیه السلام إلی عائشة أن ارجعی إلی الحجاز، فقالت: لا أفعل. فقال لها: لئن لم تفعلی لأرسلنّ إلیك نسوة من بكر بن وائل بشفار حداد یأخذنك بها، قال: فخرجت حینئذٍ. وعن إسحاق بن إبراهیم عن عبدالجلیل إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام بعث عمّار بن یاسر إلی عائشة أن ارتحلی، فأبت علیه، فبعث إلیها بامرأتین وامرأة من ربیعة معهنّ الإبل، فلما رأتهنّ ارتحلت. وعن محمّد بن علیّ بن نصر عن عمر بن سعد أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام دخل علی عائشة لمّا أبت الخروج، فقال لها: یا حمیراء إرتحلی وإلّا تكلّمت بما تعلمین، قالت: نعم أرتحل، فجهّزها وأرسلها ومعها أربعین امرأة من عبد قیس... وذكر العلّامة سبط ابن الجوزی فی تذكرة الخواصّ: 79 مثل ذلك مع اختلاف یسیر حیث قال: لمّا بعث علیّ علیه السلام عبداللَّه بن عباس یأمرها بالمسیر إلی المدینة فدخل علیها ابن عباس بغیر إذن فقالت له: اخطأت السنّة دخلت علینا بغیر إذن، فقال لها: لو كنت فی البیت الّذی خلّفك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما دخلنا علیك بغیر إذنك... وقال هشام بن محمّد: فجهّزها علیّ علیه السلام أحسن الجهاز ودفع لها مالاً كثیراً وبعث معها أخاها عبدالرحمن بثلاثین رجلاً وعشرین امرأة من أشراف البصرة وذوات الدین من همدان وعبد القیس، وألبسهنّ العمائم وقلّدهنّ السیوف بزیّ الرجال وقال: لهنّ: لا تعلمنها أنكنّ نسوة، وتلثّمن وكنّ حولها ولایقربنها رجل وسرن معها علی هذا الوصف، فلمّا وصلت إلی المدینة قیل لها: كیف كان مسیرك؟ فقالت: بخیر، واللَّه لقد أعطی فأكثر ولكنه بعث رجالاً معی أنكرتهم، فبلغ ذلك النسوة فجئن إلیها وعرفنها أ نّهنّ نسوة فسجدت وقالت: واللَّه یا ابن أبی طالب ما إزددت إلّا كرماً، وودت انّی لم أخرج هذا المخرج وان أصابنی كیت وكیت... (وانظر مقاتل الطالبیین: 42 و 43). وقال ابن عبد ربه فی العقد الفرید: 4 / 328 ط لجنة التألیف: فجهّزها بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعین امرأةً، وقیل: سبعین حتّی قدمت المدینة. وذكر ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 494 انصراف عائشة من البصرة إلی المدینة مثل ذلك باختلاف یسیر فی اللفظ بإضافة (فكانت عائشة إذا ذكرت یوم الجمل تبكی لذلك بكاء شدیداً ثمّ تقول: یالیتنی لم أشهد ذلك المشهد، یالیتنی متّ قبل هذا بعشرین سنة....)وذكر الطبری فی: 5 / 204 والعقد الفرید: 4 / 329 والمسعودی فی المروج: 5 / 197 بهامش ابن الأثیر قریب من هذا اللفظ لكن الطبری قال (فسرّحها علیٌّ وأرسل معها جماعةً من رجال ونساء وجهّزها وأمر لها باثنی عشر ألفاً من المال، فاستقلّ ذلك عبداللَّه بن جعفر فأخرج لها مالاً عظیماً وقال: إن لم یجهزه أمیر المؤمنین فهو علیَّ). لكن بعد هذا كلّه یبقی سؤال یطرح نفسه: لماذا رجعت إلی بیتها وفی نفسها ألف حسرةٍ وندامةٍ وصدرها یغلی علی علیّ بن أبی طالب علیه السلام كالمِرجَل كما قال هو علیه السلام فی خطبته فی البصرة بعد حرب الجمل- كما ذكر ذلك ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 1 / 63- وأمّا عائشة فقد أدركها رأی النساء، وشی ءٌ كان فی نفسها علیَّ یغلی فی جوفهاكالمِرجَل... وبقیت منطویة علی غیظها علیة مدّة خلافته القصیرة حتّی إذا جاء نعیه سجدت للَّه شكراً وأظهرت السرور كما ذكر أبو الفرج الاصفهانی فی مقاتل الطالبیین: 43، ولكن فی الطبعه الاُولی فی ایران مطبعة أمیر منشورات الشریف الرضی شرح وتحقیق السیّد أحمد صقر ذكر فی: 55 قال: لمّا ان جاء عائشة قتل علیّ علیه السلام سجدت... دون ذكر «للَّه شكراً» وهی الّتی تمثّلت بقول الشاعر: فألقت عصاها واستقرّ بها النوی ثمّ قالت: مَن قتله؟ فقیل: رجل من مراد، فقالت: فإن یَكُ نائیاً فلقد نعاه فقالت زینب ابنة اُم سلمة- ربیبة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ألعلیٍّ تقولین هذا؟ فقالت: إنّی أنسی ، فإذا نسیت فذكّرونی. (انظر طبقات ابن سعد: 3 / 27، ابن الأثیر: 3 / 171، والطبری: 6 / 87، تهذیب الكمال: 249، میزان الاعتدال: 2 / 301، اُسد الغابة: 5 / 468، كتاب الجمل للشیخ المفید: 84). وقال ابن أعثم فی تاریخه: قُتل من جیش علیّ ألف وسبعمائة ومن أصحاب الجمل تسعة الآف. وقال ابن عبد ربه فی العقد الفرید: 2 / 280 ط القدیم: قُتل یوم الجمل من جیش عائشة عشرون ألفاً ومن أصحاب علیّ خمسمائة. وفی تاریخ الیعقوبی: قُتل فی ذلك نیف وثلاثون ألفاً. وورد فی كشف الیقین: 156 أنه قتل من جند الجمل 16 الفاً و 690 وكانوا 30 ألفاً، وقُتل من أصحاب علیّ 1070 وقیل: 1900 وكانوا 20 ألفاً. (انظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 6 / 215، الإرشاد: 131، وتذكرة الخواصّ: 66). وانظر الطبری: 5 / 225، والعقد الفرید: 4 / 226 ط لجنة التألیف، ابن أعثم والیعقوبی عند ذكرهما الجمل من تأریخهما، أنساب الأشراف للبلاذری: 2 / 228، اُسد الغابة لابن الأثیر: 2/38 و114 و178، و: 4/46 و100، و: 5 / 143 و 146 و 286، شرح النهج لابن أبی الحدید: 2/481 ط بیروت اُفست، مروج الذهب للمسعودی: 2 / 358- 360، الإصابة لابن حجر: 1 / 248 و 501، و: 2 / 395، تاریخ الإسلام للذهبی: 2 / 149، الطبقات الكبری لابن سعد: 6 / 221. وقد قتل من أصحاب الإمام علیّ علیه السلام یوم الجمل: زید بن صوحان العبدی الّذی شهد له النبیّ صلی الله علیه وآله بالجنة. كما جاء فی أنساب الأشراف: 2 / 244 واُسد الغابة: 2 / 233، ومروج الذهب: 2 / 369. واستشهد أیضاً سیحان بن صوحان العبدی وهند بن أبی هالة ربیب الرسول صلی الله علیه وآله اُمّه خدیجة وقیل: إنّ عدد الصحابة الّذین شهدوا لجمل مع علیّ علیه السلام من المدینة 4000 ومن الأنصار 800، ومن أهل بدر 130، ومن أهل بیعة الرضوان 700. (انظر المصادر السابقة). وذكرت المصادر التاریخیة جواب جریر أیضاً. قالوا: فلمّا قرأ جریر الكتاب قام فقال: أیّها الناس، هذا كتاب أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب، وهو المأمون علی الدین والدنیا، وقد كان من أمره وأمر عدوِّه ما نحمد اللَّه علیه، وقد بایعه السابقون الأوّلون من المهاجرین والأنصار والتابعین بإحسان. ولو جُعل هذا الأمر شوری بین المسلمین كان أحقّهم بها، ألا وإنَّ البقاء فی الجماعة، والفناء فی الفرقة، وعلیّ حاملكم علی الحقّ ما استقمتم، فإن ملتم أقام میلكم... فقال الناس: سمعاً وطاعة، رضینا رضینا. فأجاب جریر وكتب جواب كتابه بالطاعة، وكان مع علیّ رجلٌ من طی، ابن اُخت لجریر فحمل زحر بن قیس شعراً له إلی خاله جریر. جریر بن عبداللَّه لا تردّد الهدی إلی آخر الأبیات. انظرها فی وقعة صفّین: 16، والفتوح لابن أعثم: 1/509 فی الهامش رقم 1 وص 510 هامش رقم 1. وانظر تعقیب ابن أبی الحدید فی شرح النهج علی هذه الخطبة والشعر: 1 / 247. ثمّ قام زَحْرُ بن قیس خطیباً فحمد اللَّه واثنی علیه... ثمّ قال: أیّها الناس إنّ علیاً قد كتب إلیكم كتاباً لا یقال بعده إلّا رجیع من القول، ولكن لابدّ من ردِّ الكلام، إن الناس بایعوا علیاً بالمدینة من غیر محاباة له ببیعتهم... وإنّ طلحة، والزبیر نقضا بیعته علی غیر حدث، وألّبا علیه الناس، ثمّ لم یَرضَیا حتّی نصبا له الحرب، وأخرجا اُمّ المؤمنین فلقیهما فأعذر فی الدعاء... ولئن سالتم الزیادة زدناكم، ولا قوّة إلّاباللَّه. (انظر ابن أعثم: 1 / 510، ووقعة صفّین: 18، والإمامة والسیاسة: 1 / 110). وقال جریر فی ذلك شعراً: أتانا كتابُ علیّ فلم إلی آخر الأبیات. (انظر وقعة صفین: 18، وابن أعثم فی الفتوح: 1 / 510). وقال ابن الأزور القسری فی جریر شعراً یمدحه: لعمر أبیك والأبناء تُنْمی إلی آخر الأبیات. (انظر المصدر السابق). وقال النهدیُّ فی ذلك: أتانا بالنبأ زَحْرُ بنُ قیسٍ إلی آخر الأبیات. انظر المصدر السابق. قالوا: ثمّ أقبل جریر سائراً من ثغر همدان حتّی ورد علی علیّ علیه السلام بالكوفة، فبایعه ودخل فیما دخل فیه الناس، من طاعة علیّ، واللزومُ لأمره، وأنشأ شعراً. انظر المصادر السابقة. وذكرت المصادر التاریخیة السابقة أیضاً بأنّ الإمام علیّ علیه السلام بعث إلی الأشعث بن قیس الكندی كتاباً مع زیاد بن كعب جاء فیه: أمّا بعد، فلولا هنَاتٌ كنَّ فیك كنتَ المقدَّم فی هذا الأمر قبل الناس، ولعلّ أمرك یحمل بعضهُ بعضاً إن اتّقیت اللَّه، ثمّ إنّه كان من بیعة الناس إیّای ما قد بلغك، وكان طلحة والزبیر ممن بایعانی ثمّ نقَضا بیَعتی علی غیر حدَث... وإنّ عملك لیس لك بطُعمةٍ، ولكنّه أمانة. وفی یدیك مالٌ من مال اللَّه، وأنتَ من خُزّان اللَّه علیه حتّی تسلِّمه إلیَّ ولعلی أن لا أكونَ شرَّ وُلاتك لك إن استَقمت. ولا قوة إلّا باللَّه. وذكر ابن أعثم فی 1 / 511 وقال: ثمّ طوی الكتاب وختمه ودفعه إلی رجل من أصحابه یقال له زیاد بن مرحب الهمدانی، وأمره بسرعة السیر إلی الأشعث. وذكر نصر بن مزاحم فی وقعة صفین: 21 وقال: فلمّا قرأ الكتاب قام زیاد بن مرحب فحمد اللَّه وأثنی علیه ثمّ قال: أیّها الناس، إنّ مَنْ لم یكفه القلیل لم یكفه الكثیر... ثمّ قام الأشعث بن قیس، فحمداللَّه وأثنی علیه ثمّ قال: أیّها الناس إنّ أمیر المؤمنین عثمان ولّانی اذربیجان، فهلك وهی فی یدی، وقد بایع الناس علیاً، وطاعتُنا له كطاعة من كان قبله... فلمّا أتی منزله دعا أصحابه فقال: إنّ كتاب علیّ قد أوحشَنی، وهو آخذٌ بمال أذربیجان، وأنا لاحقٌ بمعاویة، فقال القوم: الموت خیرٌ لك من ذلك؛ أتدع مِصرَك وجماعةَ قومك وتكون ذنباً لأهل الشام؟ فاستحیی فسار حتّی قدم علی علیّ. فقال السكونی- وقد خاف أن یلحق بمعاویة-: إنِّی اُعیذك بالّذی هو مالك إلی آخر الأبیات. (انظر وقعة صفین: 21 وابن أعثم فی الفتوح: 1 / 513 هامش رقم 1 مع اختلاف یسیر فی اللفظ)، وقیلت قصائد فی الأشعث بن قیس وكذلك ممّا قیل من شعر علی لسان الأشعث فانظرها فی المصادر السابقة. ثمّ ذكر المؤرّخون أن الأشعث بن قیس قدم علی علیّ بعد قدومه الكوفة ومعه أیضاً وفود فیها جاریةُ بن قُدامة وحارثةُ بن بدر وزید بن جَبَلة وأعْیَن بن ضُبیعة وعظیم الناس بنو تمیم، وكان فیهم أشراف، ولم یقدم هؤلاء علی عشیرة من أهل الكوفة، فقام الأحنف بن قیس. وجاریة بن قدامه، وحارثة بن بدر، فتكلم الأحنف فقال: یا أمیر المؤمنین، إنه إن تك سعدٌ لم تنصرك یوم الجمل فإنها لم تنصر علیك... إلی أن قال علیٌ لجاریة بن قدامة وكان رجُلَ تمیم بعد الأحنف-: ما تقول یا جاریة؟ فقال: أقول هذا جمعٌ حشره اللَّه لك بالتقوی ولم تستكره فیه شاخصاً، ولم تشخص فیه مقیماً... وكان حارثة بن بدر أشدَّ الناس رأیاً عند الأحنف وكان شاعر بنی تمیم وفارسهم فقال علیٌ: ما تقول یا حارثة؟ فقال: یا أمیر المؤمنین، إنّا نشوب الرجاء بالمخافة واللَّه لَوَددت أنّ أمواتنا رجعوا إلینا فاستعنّا بهم علی عدوِّنا ولسنا نلقی القوم بأكثر من عددهم... فوافق الأحنف فی رأیه فقال علیٌّ للأحنف: اكتب إلی قومك. فكتب الأحنف إلی بنی سعد: انظر الكتاب فی المصادر السابقة. راجع ترجمته فی جمهرة أنساب العرب لابن حزم: 154، وطبقات ابن سعد: 7 / ق 2 / 188، المعارف لابن قتیبة: 285، اُسد الغابة: 4 / 420، الكامل فی التاریخ: 2 / 232، البدایة والنهایة: 4/275، شرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 20 و 8 / 53، مقاتل الطالبیین: 44، الإرشاد: 1 / 18- 22. وقال ابنه محمّد: أمّا أنا فأقول: إنّك شیخ قریش وصاحب أمرها، وإنّ اضطراب هذا الأمر وأنت عنه غائب لصغر أمرك ویذهب قدرك، فالحق بجماعة من أهل الشام فكن یداً من أیدیها، واطلب بدم عثمان بن عفان، فلست أقلّ من معاویة. فأطرق عمرو ساعة ثمّ قال: أمّا أنت یا عبداللَّه، فأشرت علیَّ بما هو خیرٌ لی فی دنیای ودینی، وأمّا أنت یا محمّد، فأشرت علیّ بما هو خیرٌ لی فی دنیای، وسأنظر فی ذلك. فلمّا جنّ علیه اللیل رفع صوته وجعل یقول شعراً: تطاول لیلی للهموم الطوارق إلی آخر الابیات الّتی ذكرها الیعقوبی فی تاریخه: 2 / 185. ثمّ أدنی عمرو غلاماً یقال له وردان، فقال له: ارحل یاوردان، فعبّی له الأثقال وترحّل، فقال له عمرو: حطّ یاوردان، فحطّ، ثمّ قال: ارحل یاوردان، فرحل، فلم یزل عمرو یقول: ارحل وحطّ، فقال له وردان: أبا عبداللَّه، ما شأنك؟ أخولطت؟ فقال عمرو: لا، قال: فما قصتك؟ مرّة تقول: ارحل یاوردان، ومرّة تقول: حطّ یاوردان! فقال عمرو: لا أدری، قال وردان: لكنی أدری، واللَّه أنت رجل قد اعترضت الدنیا والآخرة علی قلبك، فقلت: إنّ علیاً معه آخرة بلا دنیا، وفی الآخرة عوض من الدنیا، ومعاویة معه دنیا بلا آخرة ولیس فی الدنیا عوض من الآخرة... فقال عمرو: للَّه أبوك یاوردان، ما أخطأت شیئاً.... ولكن هات ما عندك من الرأی. فقال وردان: عندی واللَّه من الرأی أن تجلس فی بیتك.... فقال عمرو: یاوردان، الآن أقعد فی بیتی، وقد سمعت العرب بتحریكی إلی معاویة، ارحل یاوردان، فرحل وردان وأنشأ عمرو یقول شعراً: یا قاتل اللَّه ورداناً وأربته إلی آخر الأبیات كما أوردها الیعقوبی فی تاریخه: 2 / 185، وابن أعثم فی الفتوح: 1 / 522 هامش 1، وانظر هذه المساجلات فی وقعة صفین: 34- 35- 38 و 40. ونقل ابن أبی الحدید فی شرحه علی النهج: 1 / 137 تعلیق أبی القاسم البلخی علی قول عمرو لوردان «دعنا عنك» كنایة عن الإلحاد بل تصریح به. أی دع هذا الكلام الّذی لاأصل له فإنّ اعتقاد الآخرة وأنها لا تباع بعرض الدنیا من الخرافات. وقال رحمه الله: ومازال عمرو بن العاص ملحداً ما تردّد قطّ فی الإلحاد والزندقة، وكان معاویة مثله. ویكفی من تلاعبهما بالإسلام حدیث السرار المروی، وأنّ معاویة عضّ اُذن عمرو. أین هذا من أخلاق علیّ علیه السلام وشدّته فی ذات اللَّه، وهما مع ذلك یعیبانه بالدعابة. ونقل ابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة هذه المساجلات بین عمرو وابنیه وغلامه وكذلك مساومة عمرو بن العاص معاویة علی مصر فی: 1 / 112 وما بعدها. وقد علّق أبو عثمان الجاحظ علی المساومة بقوله: كانت مصر فی نفس عمرو بن العاص لأ نّه هو الّذی فتحها فی سنة تسع عشرة من الهجرة فی خلافة عمر، فكان لعظمها فی نفسه وجلالتها فی صدره وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنیا لا یستعظم أن یجعلها ثمناً من دینه. نقل هذا الكلام ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 1 / 138، وانظر مروج الذهب: 2 / 390، الكامل: 3 / 179، الطبری: 6 / 56. یا عجباً لقد سمعتُ منكراً وقال فیها: أن یقرنوا وصِیَّه والأبترا وهذه إشارة إلی والد عمرو بن العاص الّذی نزل فیه قوله تعالی (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) وبالأخزر عمرو بن العاص لأ نّه ینظر بمؤخرة عینیه. وقال فیها أیضاً: لو أن عندی یابن حربٍ جعفرا رأتْ قریشٌ نجمَ لیلٍ ظُهُرا . لَنِعم فَتَی الحیَّینِ عمرو بن مِحْصَن إلی آخر القصیدة الّتی ذكرها نصر بن مزاحم فی وقعة صفین: 357- 359 وقد كان من أصحاب الإمام علیّ علیه السلام وقد جَزع علیّ علیه السلام لقتله یوم صفین. (انظر ترجمته أیضاً فی قسم الكنی من الإصابة: 801 و 805، الاشتقاق: 269، التقریب: 603، الغدیر: 9 / 362، سبیل النجاة فی تتمةالمراجعات رقم 455، مروج الذهب: 2/352، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزی: 81. انظر ترجمته فی طبقات ابن سعد: 6 / 151 و 154، المستدرك: 3 / 468، الاستیعاب: 1/134 الرقم 548، ط حیدرآباد اُسد الغابة: 1/385، سیر أعلام النبلاء: 3/ 305 الترجمة رقم 314، تاریخ الذهبی: 3 / 276، تاریخ ابن كثیر: 8 / 50، الإصابة: 1 / 315، تاریخ الطبری: 2 / 111- 149 و 5 / 277، تاریخ ابن الأثیر: 3 / 403 و 404، وقعة صفین: 103، مروج الذهب: 3 / 3- 4، تهذیب الكمال: 5 / 485 الرقم 1141، المعارف لابن قتیبة: 334، الأغانی: 16 / 10، تاریخ دمشق: 2 / 379. أمّا المهاجر بن خالد بن الولید فدخل دمشق مستخفیاً هو وغلام له، فرصد ذلك الیهودی، فخرج لیلاً من عند معاویة ومعه قوم هربوا عنه، فقتله المهاجر. وكان ابن آثال خبیراً بالأدویة المفردة والمركبة وقواها ومنها سموم قواتل. وكان معاویة یقرّبه لذلك كثیراً. انظر الاستیعاب: 2 / 396 تحت الرقم 1697 اُسد الغابة: 3 / 289، تاریخ الطبری: 6 / 128، وابن الأثیر: 3 / 195، المغتالین من الأشراف: 47، ابن كثیر فی البدایة والنهایة: 8 / 31، الأغانی: 14 / 13، مختصر ابن شحنة فی هامش ابن الأثیر: 11 / 133، عیون الأنباء فی طبقات الأطباء: 171 ط بیروت. أمّا ابن قتیبة فی المعارف: 467 فقال: هو عمر بن سلیمان من ذكوان سُلیم، واُمّه قرشیة من بنی سهم، وقیل: اسمه عمرو بن سفیان بن عبد شمس وهو ممن قدم مصر مع مروان سنة (65ه) كما فی الاصابة: 5846، وقیل: سعید بن زید، ولكن الصحیح هو ما ذكره الطبری فی تاریخه وابن كثیر فی البدایة والنهایة. وانظر وقعة صفین والفتوح والأخبار الطوال وتأمل، وورد أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد لعنه. وروی أنّ عمر أوصی أن یقاد عبیداللَّه بالهرمزان، وأنّ عثمان أراد ذلك. وهو الّذی استعمله معاویة فی حرب صفین علی الخیل، وله قصة یذكرها المؤرّخون أنه قدم علی معاویة فسرّ به سروراً شدیداً، وكان أشدّ قریش سروراً به عمرو بن العاص، فقال معاویة لعمرو: ما منع عبداللَّه أن یكون كعبیداللَّه؟ فضحك عمرو، وقال: شبّهت غیر شبیه، إنّما أتاك عبیداللَّه مخافة أن یقتله علیّ بقتله الهرمزان، ورأی عبداللَّه أن لا یكون علیك ولالك، ولو كان معك لنفعك أو علیك لضرّك. أیا شرحُ یا ابن السمط إنّك بالغُ إلی آخر الأبیات، انظر فی الفتوح: 1 / 531 هامش رقم 2. قال: فلمّا سمع شرحبیل بن السمط هذا الشعر كأنه وقع فی قلبه، ثمّ أقبل علی عبدالرحمن بن غنم فقال: إنّی سمعتُ ما قلت وقد أحببتُ أن أسمع كلام معاویة فی نفر من بنی عمّه. وكتب إلیه الأسود بن عبداللَّه أبیاتاً من الشعر: أبا شرحُ یا ابن السمط لاتتبع الهوی إلی آخرها، أوردها أیضاً ابن أعثم فی الفتوح أیضاً: 1 / 532 هامش رقم 1. قال: فلما تفهّم شرحبیل هذا الشعر ذعر منه ذعراً شدیداً وفكّر فی أمره ثمّ قال: هذه واللَّه نصیحة لی فی دینی ودنیای، لا واللَّه لاعجّلت فی هذا الأمر بشی ء، وفی نفسی منه حاجة. قال: ثمّ سَار إلی معاویة ودخل علیه- إلی ان قال:- إن شهدا عندی رجلان من سادات أهل الشام أنّ علیاً قتل عثمان صدقتك وقاتلت بین یدیك أنا وجمیع من أطاعنی من قومی... ثمّ انصرف... فلمّا أصبح وجّه إلیه معاویة بالقوم الّذین أعدّهم له، فشهدوا عنده أنّ علیاً قتل عثمان، قال: فعندها أقبل شرحبیل حتّی دخل علی معاویة فقال: یا هذا لقد شهد عندی العدول... قال: فجعل ابن اُخت لشرحبیل یقول أبیاتاً مطلعها: رمی شرحبیل بالدواهی وقد رمی إلی آخرها، وقد ذكرها أیضاً ابن أعثم: 1 / 533 هامش رقم 1. قال: فهمّ معاویة بقتل قائل هذا الشعر، فهرب حتّی صار إلی علیّ علیه السلام وحدّثه بالحدیث من أوّله إلی آخره. قال: وبعث النجاشی شاعر علیّ إلی شرحبیل بن السمط الكندی أبیاتاً مطلعها: أیا شرحُ ما للدین فارقْت أمرنا إلی آخرها، كما أوردها ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 533 هامش رقم 2. وهنالك رسائل ومساجلات أوردها ابن أعثم فی الفتوح: 1 / 19 وما بعدها بین سعید بن قیس الهمدانی وشرحبیل أعرضنا عنها للاختصار، وكذلك انظر تاریخ الطبری: 3 / 571، ووقعة صفین: 44 و 52 و 81 و 182 و 196 و 200 و 201 و 536، والعقد الفرید: 4 / 303، وابن قتیبة فی الإمامة والسیاسة: 1 / 99 و 100 و 155. وانظر تاریخ الطبری أیضاً: 4 / 2 ففیه: فكان أول شهر منها- یعنی سنة (37 ه)- وهو المحرّم موادعة الحرب بین علیّ ومعاویة قد توادعا علی ترك الحرب فیه إلی انقضائه طمعاً فی الصلح. وذكر الطبری فی نفس الصفحة، وابن مزاحم فی وقعة صفین: 197 أنّ الإمام علیّ علیه السلام أرسل إلی معاویة عدیّ بن حاتم، وشبث بن ربعی، ویزید بن قیس، وزیاد بن خصفة فدخلوا علی معاویة فحمد اللَّه عدیّ بن حاتم وأثنی علیه ثمّ قال: أمّا بعد فإنّا أتیناك لندعوك إلی أمر یجمع اللَّه عزّ وجلّ به كلمتنا واُمتنا...الخ، وسبق وأن أشرنا إلی هذه المساجلات ومصادرها. انظر ترجمته فی اُسد الغابة: 2 / 364- 365، الجمهرة فی أنساب العرب: 278، المعارف لابن قتیبة: 291، وقعة صفین:93 و208 و248 و506، شرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 221، الكامل لابن الأثیر: 3 / 329 تاریخ الطبری: 4 / 49، تذكرة الخواصّ: 97، الإرشاد للشیخ المفید: 1 / 82- 84، مصباح الأنوار: 314، أعلام الوری: 193، إرشاد القلوب: 241، بحار الأنوار: 20 / 81- 85، الفتوح لابن أعثم: 2/22. وانظر ترجمة عمّار بن یاسر فی مروج الذهب: 2 / 21 و22، أنساب الأشراف: 5 / 48- 88، و:2 / 314 وما بعدها تحقیق المحمودی ط الأعلمی بیروت،مسند أحمد: 1/99 و123 و125 و130 و137 و404، و:2 / 161 و 164 و 206، و: 3 / 5، و: 22 و 28 و 90، و: 4 / 76 و 89 و 90 و 197 و198 و319، و: 5 / 214، و306، و: 6 / 289، و 300، و 311 و 315 و 450، وصحیح البخاری: الجهاد ب 17، سنن ابن ماجة ب 11 من المقدّمة، وسنن الترمذی: ب 33 من كتاب المناقب، ومسند الطیالسی: 117 و603 و643 و649 و1156 و1598 و 2168 و 2202، والاستیعاب: 2/469 حرف العین، الإصابة: 2/5، خصائص أمیر المؤمنین للنسائی: 132 ط الحیدریة، حلیة الأولیاء: 4 / 172 و 361، و:7/ 197 و 198، ومجمع الزوائد: 7/240 و242، و244 و:9 / 295، تاریخ الطبری: 5 / 39 و 41، و:10/59. وانظر ترجمته أیضاً فی اُسد الغابة: 2 / 114 و 143 و 217، و: 4 / 46، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 117، تاریخ الیعقوبی: 2 / 164 ط الغری، وقعة صفین: 341 و 343، العقد الفرید: 4 / 341 و 343، المناقب للخوارزمی: 57 و 123 و 124 و 159 و 160، الكامل فی التاریخ: 3 / 310 و 311، الاستیعاب بهامش الإصابة: 2 / 436 ط السعادة، الغدیر للأمینی: 9 / 22، إحقاق الحقّ للتستری: 8 / 422، فرائد السمطین: 1 / 114 و 120 و 287، المعجم الصغیر للطبرانی: 1 / 187. وراجع أیضاً شرح النهج لابن أبی الحدید: 8 / 10 و 17 و 19 و 24، و: 15 / 177 ط مصر تحقیق محمّد أبو الفضل، و: 2 / 274 الطبعة الاُولی مصر، سیرة ابن هشام: 2 / 102، نور الأبصار: 17 و 89 ط السعیدیة بمصر، كفایة الطالب: 172- 175 ط الحیدریة، و 71 و 73 ط الغری، تذكرة الخواصّ: 93 و 94، ینابیع المودّة: 128 و 129 ط اسلامبول، و: 151 و 152 ط الحیدریة، و: 1 / 128 و 129 ط العرفان، وأحكام القرآن لابن عربی: 4 / 1705 الطبعة الثانیة تحقیق البجاوی. وكان عمّار مع علیّ فی حرب الجمل وصفین، وقتل بصفین مساء الخمیس 9 صفر سنة (37 ه) وله من العُمر 93 سنة. وروی هذا الحدیث ابن عساكر ح 162 و 864 من تاریخ دمشق: 1/133 و: 2/353 الطبعة الثانیة، وكنز العمّال: 6 / 158، ومجمع الزوائد: 9 / 11، ومناقب الخوارزمی: 88 ط الغری، وابن حجر فی لسان المیزان: 4/480، وأحمد بن حنبل فی الفضائل: 181 و186 ح 254 و 262. وانظر وقعة صفین: 489، والفتوح لابن أعثم: 2 / 312 أنّ الإمام علیّ علیه السلام خاطب القرّاء فی صفین ومنهم مسعر بن كدام عند ما رفع معاویة المصاحف فالقرّاء طلبوا من الإمام علیّ علیه السلام إجابة دعوة القوم وإلّا قتلوه. وانظر الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 148. لكن ابن أعثم فی الفتوح: 4 / 198 یذكر أن مسعر بن فدكی التمیمی هو الّذی قتل عبداللَّه بن خبّاب بن الأرت علی اُم رأسه. ولكن حسب ما تبیّن لنا من خلال التحقیق أنّ بعض المؤرّخین خلط فی الإسم. فهناك مسعر بن كدام الهلالی الّذی هو من مرجئة الكوفة كما ذكر ابن رستم الطبری فی المسترشد: 210، وابن قتیبة فی المعارف: 481. ومسعر بن فدكی التمیمی الّذی هو من قرّاء أهل البصرة ومسعر بن كدام هو الّذی أشرنا إلیه فی بدایة الحدیث. وهناك مسعر بن كدام الّذی روی عن طلحة بن عُمیرة كما ذكر الشیخ المفید فی الإرشاد: 1 / 351 والصحیح هو ما ذكره المؤرّخون كنصر بن مزاحم فی وقعة صفین: 489 و 499 فی حدیث عمر بن سعد قال: لمّا رفع أهل الشام المصاحف علی الرماح یدعون إلی حكم القرآن قال علیّ علیه السلام: عباد اللَّه إنّی أحقُّ مَن أجاب إلی كتاب اللَّه، ولكن معاویة وعمرو بن العاص... إنّی اعرَفُ بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال، إنها كلمة حق یراد بها باطل... فجاءه زهاء عشرین ألفاً مقنّعین فی الحدید شاكی السلاح، سیوفهم علی عواتقهم وقد اسودّت جِباهُهم من السجود، یتقدّمهم مسعر بن فدكی وزید بن حصین وعصابة من القرّاء الّذین صاروا خوارج من بعدُ... فتأمّل. أعور یبغی أهلَه محلاًّ لابدّ أن یَغُلّ أو یُغَلّا وقیل هكذا ترتیب الأبیات كما ورد فی مروج الذهب: 2 / 22 والطبری: 6 / 22 قد أكثروا لومی وما أقلّا أعورُ یبغی نَفْسه مَحَلاًّ قد عالج الحیاة حتّی مَلّا وفی الطبری: 6 / 24: یتلهم بذی الكعوب تلّا. فقتل من القوم تسعة نفر أو عشرة وحمل علیه الحارث بن المنذر التنوخی فطعنه فسقط رحمه الله، وقد رثاه الإمام علیّ علیه السلام فقال كما ذكر نصر بن مزاحم فی وقعة صفین: 356 جَزَی اللَّه خیراً عُصبةً أسلمیةً ولكن ما أن سقط هاشم رحمه الله فأخذ رایته ابنه عبداللَّه بن هاشم وخطب خطبةً عظیمة وقال فیها: إنّ هاشماً كان عبداً من عباد اللَّه الّذین قدّر أرزاقهم وكتب آثارهم وأحصی اعمالَهم وقضی آجالهم، فدعاه ربّه الّذی لا یعصی فأجابه... ولهاشم المرقال مواقف كثیرة ذكرها ابن نصر فی وقعة صفین: 92 و 154 و 193 و 205 و 208 و 214 و 258 و 326 و 328 و 335 و 340 و 346 و 348 و 353 و 359 و 384 و 401- 405 و 426 و 428 و 431 و 455. وانظر ترجمته فی اُسد الغابة: 5 / 49، والمستدرك: 3 / 396، وتاریخ الطبری: 5 / 44، الإصابة: 3 / 593، الاستیعاب بهامش الإصابة: 3 / 616، وتاریخ الخطیب البغدادی: 1 / 196. ووردت هذه القصة بألفاظ مختلفة وفی مصادر تاریخیه متعدّدة ولكن كلّها تؤدّی نفس المعنی ، فقد ذكرها ابن مزاحم فی وقعة صفین: 406 و 408 و 423 و 424 و 432، والإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 127، كشف الیقین: 157- 158، طبقات ابن سعد: 7 / 188، اُسد الغابة: 4 / 420، الكامل فی التاریخ: 2 / 232، شرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 20، و: 8 / 53. ونقل لنا نصر بن مزاحم فی وقعة صفین المحاورة والأشعار والفرار وكشف العورة من قِبل عمرو بن العاص، قال: وحمل أهلُ العراق وتلقّاهم أهل الشام فاجتلَدوا، وحمل عمرو بن العاص مَعلِماً وهو یقول: شدّوا علیَّ شكتی لاتنكشف یومٌ لهمدانَ ویومٌ للصّدِف أضربُها بالسیف حتّی تنصرِفْ ومثلها لحمیر أو تنحرف فاعترضه علیٌّ علیه السلام یقول: قد علمت ذات القُرون المیل إنِّی بنصل السیف خنْشَلیلُ بصارمٍ لیس بذی فُلولِ ثمّ طعنه فصرعه واتَّقاهُ عمرو بِرجْلهِ، فبدت عورتهُ، فصرف علیٌّ وجهه عنه وارتُثّ، فقال القوم: أفلتَ الرجلُ یا أمیر المؤمنین قال: وهل تدرون مَن هو؟ قالوا: لا، قال: فإنّه عمرو بن العاص تَلَقّانی بعورته فصرفْتُ وجهی عنه. ورجع عمروٌ إلی معاویة فقال له: ما صنعتَ یا عمرو؟ قال: لقینی علیٌّ فَصَرعنی. قال: احمد اللَّه وعَورَتَك، أما واللَّه أن لو عرفتَه ما أقحمتَ علیه، وقال معاویة فی ذلك شعراً: ألا للَّه من هَفَوات عمروٍ فقد لاقی أبا حَسَنٍ علیّاً فلو لم یُبْدِ عورتَه للاقی فغضب عمرو وقال: ما أشدّ تغبیطك علیاً فی أمری هذا؟ هل هو إلّا رجلٌ لقیه ابنُ عمِّه فصرعه، أفترَی السماءَ قاطرةً لذلك دماً؟ قال: ولكنَّها معقبة لك خِزْیاً. ثمّ قال فی: 432: إنّ معاویةَ أظهر لعَمْرٍو شماتةً وجعل یقرِّعه ویوبّخه... وإنّك لجبانٌ فغضب عمروٌ ثمّ قال: واللَّه لو كان علیاً ما قحمتُ علیه یا معاویة، فهلّا برزتَ إلی علیٍّ إذْ دعاك إن كنت شجاعاً كما تزعمُ، وقال عمرو فی ذلك شعراً: فهل لكَ فی أبی حسنٍ علیٍّ دعاك إلی النِزال فلم تُجِبْهُ وانظر المحاورة والشعر فی صفحة اخری من الكتاب وهی: 472-473. وقال جورج جرداق فی كتابه الإمام علیّ علیه السلام صوت العدالة الإنسانیة: 1 / 82: وقد أصبح ذوالفقار فوق هامته، ولو قضی علیّ علیه السلام علی عمرو آنذاك لكان قضی علی المكر والدهاء وجیش معاویة. وانظر شرح النهج لابن أبی الحدید: 3 / 330، وكشف الیقین لابن المطهّر الحلّی: 157- 158 وابن أعثم فی الفتوح: 2 / 44 وما بعدها. یا قادة الكوفة من أهل الفتن كفی بهذا حزناً من الحزن قال: فرجع علیّ علیه السلام وهو یقول: أنا الغلام القرشی المؤتمن ترضی بی السادة من أهل الیمن أبو حسین فأعلمن أبو الحسن . قالوا: فولهت علیهما اُمّهما، وكانت لا تعقل، ولا تصغی إلّا لمن یخبرها بقتلهما، ولاتزال تنشدهما فی الموسم: هامن أحسَّ بابنیَّ اللّذین هما إلی آخر الأبیات. ولسنا بصدد بیان حیاة بُسر، والكتب الّتی ترجمته أو ذكرت نبذة من اُموره الشنیعة كثیرة، وقد ذكر أسامیها فی تعلیقة 66 من كتاب الغارات، فراجع. نحن نحیل القارئ الكریم إلی المصادر الّتی تحت أیدینا فلیلاحظها: الاستیعاب: 64- 67، وقعة صفین: 462 ط 2 سنة 1382 ه و ط 2 تحقیق عبدالسلام هارون المؤسّسة العربیة الحدیثة، ومنشورات مكتبة آیة اللَّه العظمی المرعشی النجفی قم لسنة 1404 ه: 44 و 157 و 305 و412 و 424 و 429 و 459 و 460 و 462 و 504 و 507، شرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 301، الأغانی: 15 / 45، تهذیب ابن عساكر: 3 / 220، تاریخ الطبری: 6 / 80، و: 4 / 20 وما بعدها ط اُخری، كتاب الغارات بروایة ابن أبی الحدید فی شرح النهج تحقیق محمّد أبو الفضل: 2 / 3- 14، تاریخ الیعقوبی: 2 / 141، تهذیب التهذیب: 1 / 436، تاریخ دمشق: 3 / 222، نهایة الأرب للقلقشندی: 371، مروج الذهب بهامش ابن الأثیر: 6 / 93، الجمهرة: 228 و 391، اُسد الغابة: 3 / 340، و: 1 / 180، ابن الأثیر: 3 / 153، كشف الیقین: 158، المعارف لابن قتیبة: 122، الفتوح لابن أعثم: 2 / 39 و 92، ومابعدها، الإمامة والسیاسة: 1 / 123 و 148 و 150. تنازله یا بُسرُ إنْ كنت مثله كأ نّكَ یا بُسرُ بن أرطاة جاهلٌ إلی أن قال: مَتی تَلْقَهُ فالموتُ فی رأس رُمْحِهِ وقد ورد عجز هذا البیت فی نسخة (ج) بلفظ: ولا قبله فی أوّل الخیل حامل. أكلُّ یوم رجل شیخ شاغره تبرزُها طَعنةُ كفٍّ واتره وفی مناقب الخوارزمی: رمیا بالقافرة. وانظرها فی الفتوح لابن أعثم: 2 / 104 و 105، ووقعة صفین: 462 وفیهما: رُمِیَا بالفاقرة، وانظر القصة أیضاً فی كشف الیقین: 158 والمصادر السابقة فی ترجمة بُسر بن أرطاة. وقیل: ونظر لاحق غلام بُسر إلی ما نزل ببُسر، فكأنه أحبّ أن یكون له ذكر فی أهل الشام، فخرج علی فرسٍ له، وجعل یجول فی میدان الحرب وهو یقول: قل لعلیّ قولَه ونافره أردیت بُسراً والغلام ثائره فحمل علیه الأشتر وهو یقول- ثمّ ذكر الأبیات السابقة-. قال: ثمّ طعنه الأشتر طعنةً كسر منها صلبه، فسقط عن فرسه واضطرب ساعةً ومات. ذكر ذلك ابن أعثم فی الفتوح: 2 / 105. أمّا ابن مزاحم فی وقعة صفین: 461 فقال القائل هو ابن عمٍّ لبّسر: أردیت بُسراً والغلام ثائرُه وكلُّنا حامٍ لبُسرٍ واتِره . إنّ الكتیبة عند كلّ تصادم قوم حماة لیس منهم قاسط . قف لی قلیلاً یا أحیمر إننی عثمان ویحك قد مضی لسبیله . قد وصفها ابن مزاحم أیضاً فی وقعة صفین: 475 فقال: وزحف الناس بعضهم إلی بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتّی فنیت، ثمّ تطاعنوا بالرماح حتّی تكسّرت واندقّت، ثمّ مشی القومُ بعضُهم إلی بعضٍ بالسّیف وعُمُد الحدید، فلم یسمع السامعُ إلّا وقعَ الحدید بعضِه علی بعض، لَهُوَ أشدُّ هولاً فی صُدور الرجال من الصواعق، ومن جبال تِهامَة یدكّ بعضُها بعضاً. قال: وانكسفت الشمس (بالنّقع) وثار القَتام... وذكرها بوصفٍ آخر تحت عنوان «یوم الهریر»: 179. وانظر كشف الیقین: 158، الإمامة والسیاسة لابن قتیبة: 1 / 126، كتاب سُلیم بن قیس: 176 طبع مؤسّسة البعثة، تذكرة الخواصّ: 90، بحار الأنوار: 36 / 328، النهایة لابن الأثیر: 1 / 49، و: 2 / 368، و: 3 / 107، تاریخ الطبری: 4 / 27، أعیان الشیعة: 1 / 498، الكامل لابن الأثیر: 3 / 311، مروج الذهب: 2 / 391، شرح النهج لابن أبی الحدید: 2 / 207- 211 و 217 و 220 و 228، ینابیع المودّة: 2 / 7 ومابعدها ب 53. أهلی فداكم قاتلوا عن دینكم قال: ثمّ حمل فطاعن حتّی كسر رمحه علی قربوس سرجه، ووقف وهو یقول: الغمرات ثمّ تنجلینا قال: فقال رجل من أصحاب علیّ علیه السلام: للَّه درّ هذا الرجل لو كانت له نیة، ولكن أظنّ أ نه إنّما یقاتل هذا القتال ریاءً وسمعة، ولا أظنّه یرید بفعاله هذا ماعنداللَّه. قال: فبلغ كلامه الأشتر فغضب من ذلك وقال شعراً: أیّها الجاهل المسی ء بی الظنّ إلی آخرها؛ قال: فندم اللخمی علی ما قال فی الأشتر وقال شعراً: أصابت ظنونی فی رجال كثیرةٍ إلی آخرها. انظر الفتوح: 2 / 174. إلی أن قال: وبكی الأشتر فقال علیّ علیه السلام: ما یبكیك؟ لا أبكی اللَّه عیناك، فقال: أبكی یا أمیر المؤمنین لأنی أری الناس یُقتلون بین یدیك وأنا لا اُرزق الشهادة فأفوز بها، فقال علیّ علیه السلام: أبشر بالخیر یا مالك، ثمّ تمثّل علیّ علیه السلام أیّ یومیك من الموت تفر وانظر هذه المساجلة فی وقعة صفین: 479- 480 مع اختلاف یسیر فی اللفظ، وانظر ابن أبی الحدید فی شرح النهج: 1 / 185 حیث علّق علی هذه المساجلة بقوله: قلت: للَّه اُم قامت عن الأشتر. لو أنّ إنساناً یقسم أنّ اللَّه تعالی ما خلق فی العرب ولا فی العجم أشجع منه إلّا أستاذه علیه السلام لما خشیت علیه الإثم. وللَّه درّ القائل وقد سئل عن الأشتر: ما أقول فی رجل هزمت حیاته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق. وبحقّ ما قال فیه أمیر المؤمنین علیه السلام: كان الأشتر كما كنتُ لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله. أبت لی عفّتی وأبی بلائی انظر هذه الابیات فی تاریخ الطبری: 4 / 17 مع اختلاف یسیر فی اللفظ بإضافة (ودعا معاویة بفرس فركب وكان یقول: أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن الأطنابة من الأنصار كان جاهلیاً والأطنابة امرأة من بلقین. وانظر معجم الشعراء للمرزبانی: 204. وانظر الأبیات أیضاً فی شرح النهج لابن أبی الحدید: 1 / 188.
فإنّها صلاتكم وصومكم
إذا ما هو استغنی ویُبعده الفقر
وفی خدّه الشعری وفی الآخر البدر
كما قرَّ عیناً بالإیاب المُسافر
غلامٌ لیس فی فیه التراب
وبایع علیاً إنّنی لك ناصح
نردَّ الكتاب بأرضِ العجم
لقد جَلّی بخطبته جریر
عظیم الخَطْبِ من جُعْفِ بن سعد
بمُعاذةِ الآباء والأجداد
وخوف الّتی تبدی وجوه العوائق
أبدی لعمرك مافی الصدر وردان
كِذْباً علی اللَّه یُشیب الشَّعرا
شانِی الرسولِ واللعین الأخْزَرا
أو حمزةَ القَرْمَ الهُمامَ الأزهرا
إذا صائح الحیِّ المَصبَّحَ ثَوّبا
بأخذ علیّ ما ترید من الأمر
فمالك فی الدنیا من الدین بالبدل
هنالك بالسهم الّذی هو قاتله
ولكن لبغض المالكیّ جریر
قد عالج الحیاةَ حتّی ملّا
إنّی شَرَیْتُ النفْسَ لن أعتلّا
لابدّ أن یَغُلَّ أو یُغَلّا
أشدُّهُم بذی الكُعوبِ شَلَّا
صِبَاحَ الوُجوهِ صرِّعوا حولَ هاشم
بعد طلیح والزبیر فأْتَلِف
وفی تمیمٍ نخوةٌ لاتنحرف
إذا مشیتُ مِشْیةَ العَوْدِ الصلِف
والربَعیُّون لهم یوم عَصِف
والخصْرِ والأنامِلِ الطفول
أحمی وأرْمی أوّل الرعیل
یعاتبُنی علی تركی برازی
فآب الوائلیُّ مآبَ خازِی
به لیثاً یذلِّلُ كلَّ نازِی
لعلّ اللَّهَ یُمكِنُ من قَفَاكا
ولو نازلتَهُ تَرِبَتْ یَدَاكا
یا قاتلی عثمان ذاك المؤتمن
أضربكم ولا أری أبا الحسن
الماجد الأبلج لیثٌ كالشطن
من ساكن نجد ومن أهل عدن
كالدُرّتین تَشَظّی عنهما الصَدف
وإلّا فإنّ اللّیْثَ للضبْع آكل
بآثاره فی الحرب أو متجاهِل
وفی سیفه شُغلٌ لنفسك شاغِل
وعورةٌ وسطَ العَجاجة ظاهره
عمرو وبُسرٌ مُنِیا بالفاقره
أردیت شیخاً عنه ناصره
وكلّما أتی فلیس یاسره
أردیت شیخاً غاب ناصره
فحمل علیه الأشتر فكسر صُلبه
تبكی فوارسها علی عثمان
یبكون كلّ مفصّل وسنان
مولی التقیّ الصادق الإیمان
فاثبت لحدّ مهند وسنان
فالجبن عن أعدائكم یشینكم
نحن بنو الحرب بها غذّینا
لیس مثلی یجوز فیه الظنون
وأخطأتُ فی ظنّی بأشتر مالك
یوم لا یقدر أو یومَ قدر
وأخذی الحمد بالثمن الربیح